فمن أطاع أحدًا في دينٍ لم يأذن به الله، من تحليلٍ أو
تحريم، أو استحبابٍ أو إيجابٍ، فقد لحقَه من هذا الذَّمِّ نصيبٌ، كما يلحق الآمِرُ
الناهي أيضًا نصيبٌ. ثمّ قد يكون كلٌّ منهما معفوًّا عنه لاجتهاده، ومثابًا أيضًا
على الاجتهاد، فيتخلَّف عنه الذّمُّ لفوات شَرطِه، أو لوجود مانِعِه، وإن كان
المقتضي له قائمًا. ويلحق الذَّمُّ مَن تبيَّن له الحقُّ فتَركَه، أو مَن قصَّر في
طلبه حتّى لم يتبيّن له، أو أعرض عن طلب معرفته لهوًى أو لكسلٍ أو نحو ذلك.
****
هذا الكلام من
تتمَّة ما سبق على قوله تعالى عن اليهود والنصارى: ﴿ٱتَّخَذُوٓاْ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَٰنَهُمۡ أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ﴾ [التوبة: 31] وحديث عَديِّ بن حاتم رضي الله عنه لـمّـا
أشكلت عليه هذه الآية، فقال صلى الله عليه وسلم: «أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ
يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ،
وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ» ([1])، فلما فَهِمَ عدي
رضي الله عنه أنَّ العبادة هي الركوع والسجود لهم، فبيّن له النبي صلى الله عليه
وسلم أنَّ العبادة أوسع من ذلك، فيدخل في العبادة طاعة الأوامر، وترك النواهي، لأن
التشريع حق لله سبحانه وتعالى فهو الذي يشرِّع، وهو الذي يُحلل ويحرم، ذلك من حقه
سبحانه وتعالى وحده، قال تعالى: ﴿أَلَا لَهُ ٱلۡخَلۡقُ وَٱلۡأَمۡرُۗ﴾ [الأعراف: 54] ولهذا
قال يوسف عليه السلام: ﴿إِنِ
ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُۚ ذَٰلِكَ
ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ﴾ [يوسف: 40].
فتشريع الأحكام الشرعية حقٌّ لله سبحانه، فهو الذي يحلِّل ويحرم ويبيح، ويأمر وينهى، وإنما علينا الطاعة والاتباع، فمن تدخَّل في هذا الأصل،
([1])أخرجه: الترمذي رقم (3095).
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد