×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الرابع

وروي عنه أنه قال: «اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» ([1])، قالت عائشة: وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ، وَلَكِنْ كَرِهَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا» ([2])، وقال: «إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، أَلاَ فَلاَ تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ ! أَلاَ فَلاَ تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، فَإِنِّي أَنْهَى عَنْ ذَلِكَ» ([3]).

****

 

وبناء على هذا الفهم الخاطئ فرَّقوا بين المقبرة الجديدة التي يكون فيها صديد بزعمهم، وبين المقبرة القديمة التي زال منها الصديد، وهذا فهم خاطئ متكلَّف، ولا يؤدي الغرض المقصود من النهي عن الصلاة عند القبور.

هذا الوجه الثاني من وجوه الردّ على من غلط الحديث:

 أنَّ النبي يبين الحكمة في قوله صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ» وهي أنه صلى الله عليه وسلم خشي إذا حصل الغلو في قبره أو في المقابر أن يؤدي ذلك إلى عبادتها من دون الله، وليس المراد أنَّ الأرض تكون نجسة كما يزعم هؤلاء.

وقوله: «قالت عائشة: وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ، وَلَكِنْ كَرِهَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا» يعني: ولولا خشية الغلو في قبره صلى الله عليه وسلم لأبرز مع قبور أصحابه، وصار في البقيع، غير أنه خُشي أن يُتخذ مسجدًا، يعني مُصلّى عنده، فدل على أن العلة خشية الغلو، وليس العلة النجاسة كما يقول هؤلاء.


الشرح

([1])أخرجه: مالك رقم (85).

([2])أخرجه: البخاري رقم (1390)، ومسلم رقم (529).

([3])أخرجه: مسلم رقم (532).