فأمّا العموم، فقال أبو داود في ((سننه)): حدَّثنا
أحمد بن صالح، قرأت على عبد الله بن نافع، أخبرني ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري،
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَجْعَلُوا
بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَلاَ تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ
فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ» ([1]).
****
تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّۚ﴾ [النساء: 171]، وقوله:
﴿لَا تَغۡلُواْ فِي
دِينِكُمۡ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوٓاْ أَهۡوَآءَ قَوۡمٖ قَدۡ ضَلُّواْ مِن قَبۡلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرٗا وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ﴾ [المائدة: 77].
والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ؛ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ
مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ» ([2]). وقال صلى الله عليه
وسلم: «لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ إِنَّمَا
أَنَا عَبْدُه فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ» ([3]).
ثم إنه لو افتُرض
أنّ هذا المكان له خاصية، كأن يكون قبر نبي أو قبر ولي أو صالح من الصالحين، فإن
هذا لا يقتضي أن نجعله مكان عبادة، ومكان اعتكاف، ونتردد عليه.
في هذا الحديث أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لاَ تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا» أي: عيدًا مكانيًّا تترددون عليه، وتعكفون عنده، وتستقبلونه بالدعاء، كما يفعل الجهلة، أو أهل الضلال؛ لأن هذا يفضي إلى دعاء غير الله سبحانه وتعالى ولذلك لم يكن الصحابة رضي الله عنهم يترددون على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، إلاّ أنهم كلما دخلوا سلّموا عليه، مع كثرة ما يدخلون للصلاة ولطلب العلم وللاعتكاف، فكانوا يكتفون بالتسليم عليه وعلى صاحبيه فقط،
([1])أخرجه: أبو داود رقم (2042).
الصفحة 1 / 407