ولا يجوز دعوى الإجماع بعمل بلد أو بلاد من بلاد
المسلمين، فكيف بعمل طوائف منهم؟
وإذا كان أكثر أهل العلم لم يعتمدوا على عمل علماء أهل
المدينة وإجماعهم في عصر مالك، بل رأوا السنة حجة عليهم، كما هي حُجةٌ على غيرهم،
مع ما أُتوه من العلم والإيمان، فكيف يعتمد المؤمن العالم على عادات أكثَـرُ من
اعتادها عامّةٌ.
****
إن قالوا: هذا العمل عليه
كثير من الناس وهو مجمع عليه، والإجماع حجّة، نقول: نعم الإجماع حجة، ولكن
المراد من ذلك الإجماع المنضبط، وهو اتفاق علماء العصر على حكم شرعي، هذا هو
الإجماع الذي ينضبط، وهو ما كان عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
والتابعون، وبعدهم انتشر الناس، أي: بعد القرون المفضلة. فالإجماع الذي ينضبط هو
ما عليه القرون المفضلة، وأمّا ما بعد القرون المفضَّلة فلا يمكن ضبط الإجماع
لانتشار الناس في فجاج الأرض والبلاد الواسعة، فمَنِ الذي يضبط الناس جميعًا في
المشرق والمغرب؟ فهذا أمرٌ يكاد يكون مستحيلاً؛ لأن العلماء كانوا متوافرين في كل
مكان، ولم تكن رقعة الإسلام اتسعت هذا الاتّساع، فكل إجماع بعد تلك القرون إنما هو
إجماع ظني، والبدع ليس عليها إجماع؛ لأنه لا يزال - ولله الحمد - من ينهى عنها،
ويحذر منها في كل وقت، فلا يحصل عليها إجماع أبدًا، وإنما هو إجماع عشّاق البدع،
أما الذين يتبعون الكتاب والسنة فهؤلاء لا يُجمعون على ضلالة.
هذه مسألة مهمة، وهي صحة الاحتجاج بعمل أهل المدينة، فإن المدينة هي بلد الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيها كان ينزل الوحي عليه صلى الله عليه وسلم،
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد