×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الرابع

الرابع: أن قوله: «كُلّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ»، و«إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُْمُورِ» إذا أراد بهذا ما فيه نهيٌ خاص، كان قد أحالـهم في معرفة المراد بهذا الحديث على ما لا يكاد يحيط به أحد، ولا يحيط بأكثره إلاّ خواصُّ الأمة، ومثل هذا لا يجوز بحال.

****

وليس كل ما نهي عنه يكون بدعة، أما البدع فبالعكس، فهي كل ما أضيف إلى الدين وليس هو منه؛ لأنه ليس عليه دليل من كتاب الله، ولهذا فهو يُسمّى بدعة في الدين، وكل بدعة في الدين فهي ضلالة.

فهذه أمور واضحة لا مغالطة فيها، فهناك فرق بين المعصية والبدعة، فليس كل من خالف الأوامر والنواهي يكون مبتدعًا، بل يكون عاصيًا وفاسقًا ومخالفًا، وأما من أحدث في الدين ما ليس منه فإنه مبتدع، ويجتمع فيه الوصفان: أنه مبتدع وأنه عاص، فهناك فرق بين هذا وهذا، ومن يسوي بين الأمرين فهو يريد التلبيس على الناس.

هذا الرابع من وجوه الرّد على من قال: إن في البدعة وجه حسن، إذا فسر الحديث «كُلّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ» أي: كل ما نهيت عنه فهو بدعة وهو ضلالة، هذا إحالة على ما لا يستطيع الناس إحصاءه؛ لأنه ليس كل أحد يحيط بما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، حتّى العلماء الكبار لا يحيطون بالسنة كلها ولكل ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما يُحيطون بالبعض ويخفى عليهم الشيء الكثير، ولذلك فإنّ العلماء يتفاوتون بهذا، فمنهم من يجهل كثيرًا من الأحاديث، بينما هناك من عنده علم بالأحاديث ليس عند الآخر، قال تعالى: ﴿وَفَوۡقَ كُلِّ ذِي عِلۡمٍ عَلِيمٞ [يوسف: 76]، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.


الشرح