×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الرابع

وهذه الأمكنة كثيرة موجودة في أكثر البلاد.

وفي الحجاز منها مواضع: كغار عن يمين الطريق وأنت ذاهب من بدر إلى مكة يقال: إنه الغار الذي أوى النبي صلى الله عليه وسلم إليه هو وأبو بكر، وأنه الغار الذي ذكره الله في قوله: ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ [التوبة: 40] ولا خلاف بين أهل العلم أنَّ هذا الغار المذكور في القرآن إنما هو غار بجبل ثور قريب من مكة، معروف عند أهل مكة إلى اليوم.

فهذه البقاع التي يعتقد لها خصيصة - كائنة ما كانت - ليس من الإسلام تعظيمها بأي نوع من التعظيم، فإن تعظيم مكان لم يعظمه الشرع شر مـن تعظيم زمـان لم يعظمه. فإن تعظيم الأجسام بالعبادة عندهـا أقرب إلى عبادة الأوثان من تعظيم الزمان، حتى إنَّ الـذي ينبغي تجنب الصلاة فيهـا، وإن كان المصلي لا يقصد تعظيمها، لئلا يكون ذلك ذريعة إلى تخصيصها بالصلاة فيها. كما ينهى عن الصلاة عند القبور المحققة، وإن لم يكن المصلي يقصد الصلاة لأجلها، وكما ينهى عن إفراد الجمعة وسِرَر شعبان بالصوم، وإن كـان الصائم لا يقصد التخصيص بذلك الصوم.

فإنَّ ما كان مقصودًا بالتخصيص، مع النهي عن ذلك، ينهى عن تخصيصه أيضًا بالفعل.

وما أشبه هذه الأمكنة بمسجد الضرار الذي أُسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم، فإنَّ ذلك المسجـد لـما بني ﴿ضِرَارٗا وَكُفۡرٗا وَتَفۡرِيقَۢا بَيۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَإِرۡصَادٗا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ مِن قَبۡلُۚ [التوبة: 107] نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيه، وأمر بهدمه. 

****


الشرح