×
شرح أصول الإيمان

 رَبِّ أَرِنِيٓ أَنظُرۡ إِلَيۡكَۚ قَالَ لَن تَرَىٰنِي وَلَٰكِنِ ٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡجَبَلِ فَإِنِ ٱسۡتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوۡفَ تَرَىٰنِيۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكّٗا [الأعراف: 143] فهذا الجَبَل الجَمَادُ الصُّلبُ لمَّا تجلَّى الله له اندَكَّ وصار تُرابًا وَعِنْدهَا ﴿وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقٗاۚ [الأعراف: 143]، أي: مغشيًّا عَلَيْه ﴿فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكّٗا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقٗاۚ فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبۡحَٰنَكَ تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ [الأعراف: 143].

فَلا أَحَد في هذه الدُّنْيَا يَسْتَطِيع أن يَرَى الله سبحانه وتعالى؛ لأنَّ حِجَابَه النُّور.

وفي لَيْلَة المِعْرَاج سُئِل النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: هل رَأَيْت ربَّك؟ قال «نُورٌ أنَّى أَرَاهُ» ([1])؛ وذلك لأَنَّه سُبْحَانَه حِجَابُه النُّور، فلا يَرَاه أَحَدٌ في هذه الدُّنيا لا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ولا غَيْرُه؛ إذ الخَلق لا يَسْتَطِيعُون رُؤْيَتَه لِعَظَمَتِه سبحانه وتعالى؛ ولهذا قال: «لَوْ كَشَفَهُ» أي: لو كُشِف الحِجَاب «لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ» أي: نُور وَجْهه وَجَلاَلِه «مَا انْتَهَى إلَيْهِ بَصَرُه مِنْ خَلْقِهِ».

فَهَذَا فيه وَصْفُ الله سبحانه وتعالى بأنَّ له حجابًا يَحْتَجِب به عن المَخْلُوقَات؛ لأنَّ المَخْلُوقَات لا تُطِيق رُؤْيَة الله سبحانه وتعالى في هذه الدُّنيا.

وفي الحَدِيث إثْبَات البَصَر لِلَّه سبحانه وتعالى؛ لِقَوْلِه صلى الله عليه وسلم: «مَا انْتَهَى إلَيْهِ بَصَرُه»، ولقوله تعالى: ﴿ٱلَّذِي يَرَىٰكَ حِينَ تَقُومُ ٢١٨وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّٰجِدِينَ ٢١٩ [الشعراء: 218- 219]. فهو سبحانه وتعالى يَرَى ويُبصر عِبَادَه فلا يَحْجُبُه عَنْهُم شَيْءٌ، لا جُدْرَانٌ ولا حُصُونٌ، ولا ظُلمةٌ ولا سَتَائِرُ ولا أيُّ شَيْءٍ، فيراهم أَيْنَمَا كانوا.


الشرح

([1])  أخرجه: مسلم رقم (178).