×
شرح أصول الإيمان

 المَحْفُوظِ؛ لأنَّ الكِتَابة العَامَّةَ في اللَّوْح المَحْفُوظِ كانت قبل أن يَخْلُق اللهُ سبحانه وتعالى السَّمَوَات وَالأَرْضَ بِخَمْسِين أَلف سَنَةٍ، وإنَّما هذه الكتَابة المَذْكُورَةُ في هذا الحَدِيث كِتَابةٌ خَاصَّةٌ.

فَقوله صلى الله عليه وسلم: «كَتَبَ في كتَابٍ» هذا فيه إثْبَات الكِتَابة وأنها من أَفْعَال الله جل وعلا.

وقولُه: «عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ» العَرْش: هو عَرْش الرَّحْمَن سبحانه وتعالى وهو أَعْظَم المَخْلُوقَات وأعلاها وَأَعْظَمُهَا، فهو عَرْشٌ عَظِيمٌ، لا يَعْلَم عِظمَه إلاَّ الله سبحانه وتعالى، وَالعَرْش في الأَصْل: السَّرِير الذي يَجْلِس عَلَيْه المَلِك، وَالمُرَاد به هُنَا: هذا المَخْلُوق العَظِيمُ الذي اسْتَوَى الله جل وعلا عَلَيْه.

وهذا فيه إثْبَات العُلُوِّ لِلَّه وَاسْتِوَائِه على العَرْش، وَالإِيمَانِ به لأنَّ الله اخْتَصَّ هذا الكِتَاب عِنْدَه، وإذا كان عِنْدَه فهذا يَدُلُّ على أنَّ هذا الكِتَاب في مَكَان قَرِيْبٍ من الله سبحانه وتعالى، وليس المُرَاد بِقَوْله: «عِنْدَه» أنَّه في مُلْكِه؛ لأنَّ كلَّ المَخْلُوقَات في مُلْكِه، ولكنَّه اخْتَصَّ بَعْض الأَشْيَاءِ بِأَنَّهَا عِنْدَهُ مثل بَعْض المَلاَئِكَة المُقَرَّبِينَ، قال تعالى: ﴿وَمَنۡ عِندَهُۥ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ [الأنبياء: 19]، فخَصَّ بَعْض الأَشْيَاءِ بِأَنَّهَا عِنْدَهُ مُقرَّبةٌ، وهذا يدُلُّ على أَهَمِّيَّةِ هذا الكتَاب وَمَكَانَتِه عند الله سبحانه وتعالى.

وَمَضْمُون هذا الكتَاب ما عَبَّر عَنْه صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِه: «إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي» هذا فيه وَصْف الله جل وعلا بهاتَيْن الصِّفَتَيْن: الرَّحْمَةِ وَالغَضَبِ، وهذا من صِفَات أَفْعَالِه جل وعلا، فهي صِفَات فِعْلِيَّةٌ، يَرْحَم إذا شَاء، وَيَغْضَب إذا شَاء، فَهُمَا صِفَات الله عز وجل تَلِيقان بِجَلاَلِه، وَرَحْمَتُه ليست كَرَحِمِة


الشرح