وعن
أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ
الْكَافِرَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً، أُطْعِمَ بِهَا طُعْمَةً مِنَ الدُّنْيَا،
وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَإِنَّ اللهَ يَدَّخِرُ لَهُ حَسَنَاتِهِ فِي الآْخِرَةِ،
وَيُعْقِبُهُ رِزْقًا فِي الدُّنْيَا عَلَى طَاعَتِهِ» ([1]).
****
فَيَنْبَغِي عَدَم الغَفْلَة عن هذا الجَمْع بين الخَوْف
وَالرَّجَاءِ، فلا يُغلِّب أَحَدَهُمَا على الآَخَر، وَلَكِن قالوا: إلاَّ في
حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وهي عند المَوْت، فإنَّه يُغلِّب جَانِب الرَّجَاء: قال صلى
الله عليه وسلم: «لاَ يَمُوتَنَّ
أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ عز وجل » ([2])،
فإذا ما عَجَز المَرْء عن العَمَل وحَضَرَه الموتُ، فإنَّه يُغلِّب جانبَ الرَّجاء
ولا يُغلِّب جانبَ الخَوْف، أَمَّا وإنه ما دَام على قِيد الحَيَاة، وكان
متمكِّنًا من العَمَل الصَّالِح وَالإِقْلاَع عن الذُّنُوب وَالمَعَاصِي، فإنَّه
يَنْبَغِي أن يكون بين الخَوْف وَالرَّجَاء.
وَالرَّجَاء المَحْمُودُ هو الذي لا يأمَن به صاحبُه من
غَضَب الله عز وجل وَعُقُوبَتِه، وَالخَوْف المَحْمُودُ هو الذي لا يَقْنِط صاحبُه
من رَحْمَة الله عز وجل.
في هذا الحَدِيث بَيَان الفَرْق بين المُسْلِم وَالكَافِر؛ من حيث إنَّ الكَافِر إذا عَمِل حسنةً في الدُّنيا بأنْ أَطْعَم جائعًا أو كَسَا عاريًا أو سَقَى عَطْشَان، وَنَحْوَ ذلك من الأَعْمَال الدَّاخِلَةِ في باب الإِحْسَان إلى النَّاس، فإنَّه وَإِنْ كان هذا العَمَلُ من كافر، فإنَّ الله جل وعلا لا يُضِيع عَمَل عاملٍ؛ ولهذا فإنَّه يُعجِّل له جَزَاءَه، فيُعطي بها طُعْمةً في هذه الدُّنيا، إمَّا بأنْ يُطيل في عُمره أو بأنْ يُوسِّع له في رِزْقِه أو غيرِ ذلك من مَصَالِح الحَيَاة الدُّنْيَا؛ لأنَّه سُبْحَانَه لا يَظْلِم أحدًا، فهذا المُرَاد من قوله صلى الله عليه وسلم: «أُطْعِمَ بِهَا طُعْمَةً مِنَ الدُّنْيَا».
([1]) أخرجه: مسلم رقم (2808).
الصفحة 8 / 339