×
شرح أصول الإيمان

وَالأَصْل في ذلك هو الاِسْتِعْدَاد دائمًا لِذِكْر الجَنَّة وَاسْتِحْضَار النَّار، وأنهما قَرِيبَتَان من الإِنْسَان، إذ ليس بَيْنَه وَبَيْنهمَا إلاَّ قَبْضُ الرُّوح ثمَّ المَآل إلى أَحَدِهِمَا، فَتَصَوُّرُ الجَنَّة يَدْفَع بِالعَبْد إلى فِعْل الأَعْمَال الصَّالِحَةِ، وتَصَوُّرُ النَّار يَدْفَعُه إلى التَّوْبَة وَالاِسْتِغْفَارِ من الذُّنُوب؛ وَالحَذَر كلَّ الحَذَر من أنْ يَفْجَأَ العبدَ الموتُ وهو على حَالَةٍ غيرِ مَرْضِيَّةٍ، فإذا وَقْع العَبْد في ذَنْبٍ، فلا يَنْبَغِي له الاِغْتِرَارُ بِصِغَر سِنِّه وَبِطُول الأَمَل، زاعمًا أنَّه سيتوب إلى الله إذا ما طَال به العُمُر، وَكَأَنَّه ضُمِن أنَّ ذلك سَيَكُون وهو لا يَدْرِي أنَّ هذا من تَلاَعُب الشَّيْطَان بِه، والله جل وعلا يَقُوْل: ﴿إِنَّمَا ٱلتَّوۡبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسُّوٓءَ بِجَهَٰلَةٖ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٖ فَأُوْلَٰٓئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا [النساء: 17]، فهؤلاء سيتوب الله عَلَيْهِم؛ وَدَلاَلَة ذلك قولُه جل وعلا: ﴿يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٖ [النساء: 17].

وأمَّا الذي يَفْتَح لِنَفْسِه باب الأَمَل ويُسَوِّف في التَّوْبَة بعدما غَرَّرَ به الشَّيْطَانُ مُزيِّنًا له أنَّه ما زَال شابًّا في أَوَّل عُمْرِه، فَيَبْدَأ بِتَأْجِيل التَّوْبَة إلى أن يَصِل إلى آخَر عُمْرِه فَيُحْسِن خَاتِمَتَه بِالتَّوْبَة المَزْعُومةِ! فَمَن الذي يَضْمَن له أنَّ عُمْرَه سَيَمْتَدُّ إلى أنْ يَشِيخ وَيَكْبُر؟ بل مَن الذي يَضْمَن له أنَّه سَيَعِيش بُرْهَةً من الزَّمَن؟ فَكَم من إنْسَانٍ فَاجَأَه المَوْت وهو جَالِس مع الآخَرِين في لَحْظَةٍ؟ ولهذا نَقُول: إن الآجَال بِيَد الله سبحانه وتعالى، وقد أَخْفَاهَا عَنَّا، فَقَال: ﴿وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗاۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسُۢ بِأَيِّ أَرۡضٖ تَمُوتُۚ [لقمان: 34].


الشرح