×
شرح أصول الإيمان

 أو الْخَامِس عَشَر التي فِيهَا يَتَكَامَل الْقَمَر؛ لأَنَّه يَبْدُو في أَوَّلِ الأَمْرِ هلالاً ثم يَكْبُر ولا يَزَال يَكْبُر حَتَّى يَتَكَامَل فَيَصِيرُ بدرًا كاملاً ثم يَأْخُذ في النَّقْصِ حَتَّى يَعُودَ هلالاً في آخَرِ الشَّهْر، وهذا من عَجَائِبِ خَلْقِ اللهِ سبحانه وتعالى، وَالْحِكْمَةُ في تَقْدِيرِ مَنَازِلِ الْقَمَر هي لأَِجْلِ أن يَعْرِفَ النَّاسُ الْحِسَابَ، قال تعالى: ﴿وَٱلۡقَمَرَ نُورٗا وَقَدَّرَهُۥ مَنَازِلَ لِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلۡحِسَابَۚ [يونس: 5].

فَقَوْلُه: «إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ»: أي: في حَالِ تكامُلِه وبهائِه وحُسْنِه فقال: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ» والقمرُ في لَيْلَةِ الْبَدْر يَرَاه جَمِيعُ النَّاس، كلٌّ في مَكَانِه دون أن يتزاحموا، فَيَرَاه أَهْلُ البَرِّ وَأَهَلُ الْبَحْر من غيرِ مُزَاحَمَة، فَالْمُؤْمِنُون يَرَوْن اللهَ عز وجل َ يومَ الْقِيَامَةِ كما يَرَوْن الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْر، وهذا معنى قولِه: «لاَ تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ». وفي رِوَايَة تَقْرَأ «لا تَضامُّون»؛ إذ يَجُوز ضَمُّ التَّاء وَفَتْحُهَا، وهو بِتَشْدِيد الْمِيم، من الضَّمِّ؛ أي: لا يَنْضَمُّ بَعْضُكُم إلى بَعْضٍ فلا تتزاحمون لِرُؤْيَتِه، بل تَسْتَوُون كُلَّكُم في رُؤْيَتِه تَعَالَى؛ إذ من عَادَة النَّاس أنَّه إذا كان المَرئي شيئًا واحدًا أَنَّهُم يَتَزَاحَمُون على رُؤْيَتِه، لَكِن الله جل وعلا يُرَى يوم الْقِيَامَة دون مُزَاحَمَة، فَكُلّ يَرَاه وهو في مَكَانَه، وهذا في الْمَخْلُوق كَذَلِك، فَالْقَمَر مَخْلُوق من مَخْلُوقَات الله ومع ذلك يَرَاه النَّاس من غير مُزَاحَمَة.

وهذا من بابِ ضَرْبِ المَثَل لِيُقَرِّبَ لِلنَّاسِ مَعْرِفَةَ هذا الشَّيْء، فإذا كان الْمَخْلُوقُ يَرَاه النَّاسُ دون مُزَاحَمَةٍرُؤْيَةً وَاضِحَة، فَإِن الرَّبَّ سبحانه وتعالى يَرَاه الْمُؤْمِنُون يومَ الْقِيَامَة دون مُزَاحَمَة، وليس هذا من بابِ تَشْبِيهِ الْقَمَرِ بِاَللَّهِ عز وجل،


الشرح