فَفِي هذا الْحَدِيثِ الحثُّ على مَعْرِفَةِ اللهِ جل
وعلا بِأَسْمَائِه وَصِفَاتِه وَأَفْعَالِه، حَتَّى يَقْدروه حقَّ قَدْرِه جل وعلا،
فمَن لم يَعْرِف اللهَ فإنَّه حَرِيٌّ بأن لا يَقْدر اللهَ حَقَّ قدْرِه.
وقولُه: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ» الأَْعْرَابِيُّ: هو الذي يَسْكُنُ الْبَادِيَة؛
وَالْحَضَرِيّ: هو الذي يَسْكُنُ الْحَاضِرَة. وَالْغَالِب على الأَْعْرَاب
الْجَفَاء وَالْجَهْل؛ قال تعالى: ﴿ٱلۡأَعۡرَابُ أَشَدُّ كُفۡرٗا وَنِفَاقٗا وَأَجۡدَرُ أَلَّا
يَعۡلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦۗ﴾ [التوبة: 97]، ولهذا جَاء النَّهْيُ عن الْبَقَاءِ في
الْبَادِيَةِ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ
سَكَنَ الْبَادِيَةَ جَفَا» ([1])،
وِجَاء الْحَثُّ على الذَّهَابِ إلى أَهْلِ الْحَوَاضِرِ لأَِجْلِ التَّعَلُّم،
فلا يَبْقَى الإِْنْسَانُ أعرابيًّا وبدويًّا طَوَال حَيَاتِه، وإنَّما يَنْبَغِي
له أن يَتَفَقَّه في دِينِ اللهِ عز وجل.
فَهَذَا الأَْعْرَابِيُّ جَاء وَطلَب من النَّبِيِّ صلى
الله عليه وسلم أن يَسْتَسْقِي لهم، وطلبٌ كهذا لا غُبَار عَلَيْه، فقد كان
الصَّحَابَةُ رِضْوَان اللهِ عَلَيْهِم إذا أجدبوا يَطْلُبُون من النَّبِيِّ صلى
الله عليه وسلم أن يَسْتَسْقِي لهم، وكان هذا الأَْعْرَابِيُّ قد أَخْبَر النَّبِي
صلى الله عليه وسلم ما حَصَل لِلنَّاسِ بِسَبَبِ تأخُّر نُزُولِ الْمَطَر من
الْجَدْبِ وَالْقَحْطِ وَالْفَقْر، وَمِثْلُ هذه الأُْمُورِ لا بَأْسَ من
ذِكْرِهَا لِلْغَيْرِ حَتَّى يكونَ هذا حافزًا لِطَلَبِ السُّقيا من اللهِ عز وجل.
وَلَهَذَا قال هذا الأَْعْرَابِيُّ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى اللهِ» وهذا الْقَوْلُ أيضًا لا غُبَارَ عَلَيْه، إِنَّهُم يَطْلُبُون الشَّفَاعَةَ من الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم،
([1]) أخرجه: أبو داود رقم (2859)، والترمذي رقم (2256)، والنسائي رقم (4309)، وأحمد رقم (3362).