وَالشَّاهِدُ من الآْيَةِ قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ
سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰٓ﴾
[الأنبياء: 101] هذا فيه إثْبَاتُ الْقَضَاءِ وَالْقَدَر.
وقولُه تعالى: ﴿وَكَانَ أَمۡرُ
ٱللَّهِ قَدَرٗا مَّقۡدُورًا﴾
[الأحزاب: 38] وهذه الآْيَةُ مُتَضَمِّنَةٌ إثْبَات الْقَضَاءِ وَالْقَدَر،
فَقَوْلُه تعالى: ﴿أَمۡرُ
ٱللَّهِ﴾ أي:
الأَمْر الْكَوْنِيّ، على اعْتِبَارِ أن: أَمْر الله قَسَمَان:
الأَْوَّل: الأَمْر
الْكَوْنِيّ: كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَآ أَمۡرُهُۥٓ إِذَآ أَرَادَ شَيًۡٔا أَن
يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ﴾
[يس:82].
والثاني: الأَمْر الشَّرْعِيّ:
كالأمر بِالصَّلاَة وَالزَّكَاة وَبِرِّ الْوَالِدَيْن وَنَحْو ذلك من الأُْمُور
التَّكْلِيفِيَّة.
وَالأَْمْرُ الْكَوْنِيّ لا بدَّ أن يَقَع، وأمَّا
الأَمْرُ الشَّرْعِيّ، فقد يَقَعُ وقد لا يَقَع، فَمن النَّاسِ من يَمْتَثِلُ
ومنهم من يَعْصِي، هذا الْفَرْقُ بين الأَْمْرَيْن؛ فَقَوْلُه تعالى: ﴿وَكَانَ أَمۡرُ
ٱللَّهِ قَدَرٗا مَّقۡدُورًا﴾
[الأحزاب: 38] يُرَاد به الأَمْرُ الْكَوْنِيّ الْقَدَرِيّ، بِمَعْنَى أن كلَّ ما
يَجْرِي في هذا الْكَوْنِ مُقَدَّر.
وقولُه تعالى: ﴿وَٱللَّهُ
خَلَقَكُمۡ وَمَا تَعۡمَلُونَ﴾
[الصافات: 96]؛ أي: وَخَلَق ما تَعْمَلُون، هذه الآْيَةُ فِيهَا أنَّ أَعْمَالَ
الْعِبَادِ إنَّما هي من خَلق اللَّه سبحانه وتعالى، نَعَم هي فعلُ الْخَلْق
وَلِكِنِّهَا خَلقُ الْخَالِق سبحانه وتعالى، فَيَجْتَمِعُ فِيهَا الأَْمْرَان:
أنَّها خَلقُ اللهِ، وأنها فعلُ الْعَبْد.
وفي الآْيَةِ رَدٌّ على الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِين
يَنْفُون الْقَضَاءَ وَالْقَدَر، ويقولون: إن الْعَبْدَ إنَّما يَفْعَلُ
بِاخْتِيَارِه الْمُطْلَق الذي ليس لِلَّه فيه أي قَضَاء وَقَدَر.
وقولُه تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ﴾ [القمر: 49]، وفي هذه الآْيَة أيضًا إثْبَات لِلْقَضَاء وَالْقَدَر؛ إذ كلّ الْمَخْلُوقَات من خَيْر أو شَرّ إنَّما يَقَع
الصفحة 9 / 339