أُمُورِ دُنْيَاه على الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ
لأنَّ اللهَ جل وعلا رَتَّب الأَْشْيَاءَ على الأَْسْبَاب، وكذلك الأَمْرَ نَفْسَه
يُقَال في أُمُورِ الآْخِرَة، فَالإِْنْسَانُ بِفِطْرَتِه التي تَقْتَضِي أنَّه
عَلَيْه أن يَعْمَلَ لِتَحْصِيلِ أُمُورِ دُنْيَاه، فَكَيْف يُعَطِّلُ أَعْمَالَ
الآْخِرَةِ وَيُعْتَمَدُ على الْقَضَاءِ وَالْقَدَر؟!
ومن دَلاَلَةِ فِقْه الشيخِ رحمه الله ُ أنَّه لمَّا
ذكرَ أَدِلَّةَ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ ذكر أَدِلَّةَ إثْبَاتِ الْعَمَلِ، فَسَاق
هذا الْحَدِيث الذي يَدُلُّ على أنَّ الأَْصْلَ في الإِْنْسَانِ عَدَمُ تَرْكِ
الْعَمَلِ اعتمادًا على الْقَضَاءِ وَالْقَدَر، فقد بيَّن صلى الله عليه وسلم في
هذا الْحَدِيثِ لِلصَّحَابَةِ بعدما ذكر لهم أن كلَّ إنْسَانٍ قد كُتِب مَقْعَدُه
من النَّارِ وَمَقْعَدُه من الْجَنَّة، وأجابوا بِقَوْلِهِم: أَفَلاَ نَتَّكِلُ
وَنَدَعُ الْعَمَل؟ ولكنه صلى الله عليه وسلم بيَّنَ لهم غَلَطَهُم في هَذَا،
وَأَن ما فَهِمُوه من قولِه إنَّما هو فَهْمٌ خَاطِئ، وأنَّه ليس معنى الإِْيمَانِ
بِالْقَضَاء وَالْقَدَر تَرْكُ الأَْعْمَال، بل بيَّن صلى الله عليه وسلم أن هذا
فيه حَثٌّ لِلإِْنْسَانِ على الْعَمَل؛ لأنَّ الْجَنَّةَ لا يَدْخُلُهَا إلاَّ من
عَمِل لَهَا، وَأَن النَّارَ لا يَسْلمُ منها إلاَّ من تَرَك الأَْعْمَال التي من شَأْنِهَا
أن تُورِدَ الْمَرْءَ إيَّاهَا.
ثُمّ اسْتَدَلَّ صلى الله عليه وسلم بِالآْيَةِ الْكَرِيمَةِ فَقَرَأ﴿فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ ٥وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ ٦فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡيُسۡرَىٰ ٧﴾ [اللَّيْل: 5- 7 ]، فَدَلَّ على أن دُخُولَ الْجَنَّةِ إنَّما هو بِسَبَبِ الأَْعْمَال، وَأَن دُخُولَ النَّارِ كَذَلِك، لا بِسَبَبِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ فَحَسْب؛ لأنَّ الْقَضَاءَ وَالْقَدَرَ إنَّما هو من شَأْنِ اللهِ جل وعلا، وَالإِْنْسَان لا يَدْخُلُ بشئونِ خَالِقِه، وإنَّما يَدْخُل بسبب شُئُون نَفْسِه لذلك يَنْبَغِي له الْعَمَل، لا السُّؤَالُ عن الْقَضَاءِ وَالْقَدَر.