×
شرح أصول الإيمان

فهذا تَقْدِيرٌ بعد خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَْرْضِ حين خَلَق آدَمَ عليه السلام. والذي قَبْلَه النهائي هو التَّقْدِيرُ الْعَامّ.

فَلَقَد رَتَّبَ ابنُ الْقَيِّم رحمه الله ُ مَدْلُولاَت هذه الأَْحَادِيث على هذا التَّرْتِيبِ الدَّقِيقِ الْعَجِيب، فَكُلُّ وَاحِدٍ من هذه التَّقَادِيرِ التي بعد ما في اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ تفاصيلُ لمَا في اللَّوْحِ الْمَحْفُوظ.

وَهَذِه التَّقَادِيرُ الدَّقِيقَةُ التي لا تَخْتَلِفُ أبدًا إنَّما هي دَلِيلٌ على عِلْمِ الرَّبِّ وَقُدْرَتِه سبحانه وتعالى، وأنَّه سُبْحَانَه أَظْهَر هذا لِعِبَادِه ليتعرفوا عَلَيْه، ولتتعلقَ رَغْبَتَهم في اللهِ عز وجل ليخافوا منه ويرجوه، وليعبدوه سبحانه وتعالى، فإِطْلاعُه سُبْحَانَه لهم على هذه التَّقَادِيرِ وَأَنْوَاعِهَا في الْقُرْآنِ وَالأَْحَادِيثِ إنَّما هو مَصْلَحَةُ الْعِبَاد؛ لأَِجْلِ أن يَعْرِفُوا رَبَّهُم سبحانه وتعالى وَقَضَاءَه وَقَدَرَه وتدبيراته وَأَحْكَامَه لِيَكُونُوا على بَصِيرَة، لا أن يَكُونُوا كَالْبَهَائِم التي لا تَدْرِي لِمَاذَا خُلقت! هذا مُرَادُه رحمه الله من قولِه: «وفي ذلك دَلِيلٌ على كَمَالِ عِلْم الرَّبِّ...» إلَخ.

وأمَّا قولُه: «فَاتَّفَقَت هذه الأَْحَادِيثُ وَنَظَائِرُهَا على أن القَدَرَ السَّابِقَ لا يَمْنَعُ الْعَمَلَ ولا يُوجِبُ الاِتِّكَال...» إذ كلُّ الأَْحَادِيثِ يَأْتِي فِيهَا ذكرُ الْعَمَل، فدلَّ على أن التَّقَادِيرَ لا تَسُدُّ مَسَدَّ الْعَمَل؛ ولذلك أَعْطَى اللهُ جل وعلا الإِْنْسَانَ الْقُدْرَةَ وَالْمَشِيئَةَ وَالاِخْتِيَارَ بعد أن بيَّنَ له الْخَيْرَ من الشَّرِّ، كلُّ ذلك لأَِجْلِ أن يَعْمَل، لا من أَجَلِ الاِطِّلاَعِ فَقَط، وهذا من لُطفِه جل وعلا بِالإِْنْسَان، وهذا يُوجِب عَلَيْه بعد مَعْرِفَتِه لِهَذِه الأُْمُورِ أن يَجْتَهِدَ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ وَيَتَجَنَّب الْعَمَلَ السَّيِّئ.


الشرح