الْحَثُّ على الْكَسْبِ وَالْعَمَل، وألا
يَرْكَنَ الإِْنْسَانُ إلى الرَّاحَةِ وَالْخُمُول، أو الاِتِّكَال على الْقَضَاءِ
وَالْقَدَرِ دون الْعَمَلِ وَالْمُثَابَرَةِ عَلَيْه، فهذه مُغَالَطَةٌ يُضلِلُ
فِيهَا شَيَاطِينُ الإِْنْسِ والجنِّ الجُهَّالَ من الْمُسْلِمِين، لِتَخْذِيلِهِم
عن السَّعْي لِطَلَبِ الْخَيْر، بِحُجَّةِ أنَّ الْمَقْسُومَ حَاصِل.
وقولُه صلى الله عليه وسلم: «وَاسْتَعِنْ بِاللهِ» يَعْنِي: لا
تَعْتَمِد على حِرْصِك وأعمالِك بل لا بدَّ من الاِسْتِعَانَةِ بِاَللَّهِ
والتوكُّلِ عَلَيْه سبحانه وتعالى، فَالأَْصْلُ في هذا هو الْجَمْعُ بين
الأَْمْرَيْن، الْحِرْصِ على ما يَنْفَع، وَالاِسْتِعَانَةِ بِاَللَّهِ والتوكُّلِ
عَلَيْه جل وعلا؛ فهذا فيه دَلِيلٌ على أنَّ السَّعيَ في طَلَبِ الرِّزْقِ وَغَيرِه
من الأُْمُورِ النَّافِعَةِ لا يَكْفِي دونَ التوكُّلِ على اللهِ
وَالاِسْتِعَانَةِ بِطَلَبِ الْعَوْنِ منه سبحانه وتعالى؛ فلا يَقْتَصِرُ
الإِْنْسَانُ على التوكُّلِ على اللهِ وَيُتْرَك السَّعْيَ لِطَلَبِ الْخَيْر، ولا
يَعْتَمِدُ على السَّعي وَيُتْرَكُ التوكُّلَ على اللَّه، فَلاَبُّد من الْجَمْعِ
بين الأَْمْرَيْن.
وَقَوْلُه: «وَلاَ تَعْجِزْ» يَعْنِي: لا تكسل؛ وَالْعَجْزُ هُنَا مَعْنَاه: الْكَسَلُ وَالْخُمُول؛ إذ بَعْضُ النَّاسِ يُقعِده الْعَجْزُ وَالْكَسَل، ولهذا يَنْهَى صلى الله عليه وسلم عن الْعَجْزِ وَالْكَسَل؛ ولهذا اسْتَعَاذَ صلى الله عليه وسلم من الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ بِقَوْلِه: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ» ([1])، فإذا فَعَلْت هذا بأنْ سعيتَ في طَلَبِ الْخَيْرِ واستعنتَ بِاَللَّه، فَإِن حَصَل كلُّ مَقْصُودِك فاحمَدِ اللهَ سبحانه وتعالى، وَإِنْ لم يَحْصُلْ لَك مَقْصُودُك فلا تتحسَّرْ وتتأسَّ، بل اعْلَم أنَّ هذا قَضَاءٌ وَقَدَر، وأنَّه لو كان قُدِّر لَك هذا الشَّيْءُ
([1]) أخرجه: البخاري رقم (2668)، ومسلم رقم (2722).