فمِنْ
سادتِهم جَبرائيل عليه السلام، وقد وَصفَه اللهُ تعالى بالأمانةِ وحُسنِ الخُلقِ والقوَّة،
فقال تَعَالَى: ﴿عَلَّمَهُۥ شَدِيدُ ٱلۡقُوَىٰ
٥ذُو مِرَّةٖ فَٱسۡتَوَىٰ ٦﴾ [النجم: 5- 6].
ومن
شدَّةِ قوَّتِه أنَّه رَفَع مدائنَ قومِ لوطٍ عليه السلام -وكُنَّ سبعًا- بمَن
فيهنَّ من الأُمم، وكانوا قريبًا من أَرْبَعَمِائَة أَلْف وما مَعَهُم من الدَّوابَّ
والحيواناتِ، وما لِتِلْك الْمَدَائِنِ من الأَْرَاضِي وَالْعِمَارَات؛ على طَرَف
جَنَاحَيْه، حَتَّى بَلَغ بهنَّ عَنانَ السَّماءِ، حَتَّى سَمعتِ الملائكةُ نباحَ
كلابِهم وصياحَ دِيكَتِهم، ثم قَلبَها فَجَعَل عالِيَها سافِلَها، فهذا هو ﴿شَدِيدُ
ٱلۡقُوَىٰ﴾ [النجم:5]
****
مَن سَادَاتِ
الْمَلاَئِكَةِ جِبْرِيلُ عليه السلام، وهو المَلكُ الموكَّلُ بِالْوَحْي، وقد
مَدْحُه اللهُ جل وعلا بِالأَْمَانَة، فَقَال: ﴿نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِينُ﴾ [الشعراء: 193]، فهو أَمِينٌ على الْوَحْي، وَمَدَحَه
بالقوَّة، قوَّةِ الخِلْقةِ والبَدَن، فَقَوْلُه تَعَالَى: ﴿عَلَّمَهُۥ
شَدِيدُ ٱلۡقُوَىٰ﴾ [النجم:
5] وَوَصْفَه بِحُسْنِ الصُّورَة فَقَال: ﴿ذُو
مِرَّةٖ﴾ [النجم: 6] أَي: خِلْقَة
حَسَنَة ﴿عَلَّمَهُۥ
شَدِيدُ ٱلۡقُوَىٰ﴾ [النجم:
5] علَّم نبيَّنا محمدًا صلى الله عليه وسلم وهو جِبْرِيلُ عليه السلام. وسيأتي
ذكرُ شَيْءٍ من قُوتِه عليه السلام.
قَولُه تَعَالَى: ﴿شَدِيدُ ٱلۡقُوَىٰ﴾ [النجم: 5]، أَي: جِبْرِيلُ عليه السلام، جَاء أنَّه لمَّا أَمرَه اللهُ بِإِهْلاَكِ قَوْمِ لُوطٍ عليه السلام، وَلُوطٌ نبيُّ من أَنْبِيَاءِ اللَّه، وهو ابنُ أَخِي إبْرَاهِيم عليه الصلاة والسلام، وَإِبْرَاهِيمُ هو عمُّه عَلَيْهِمَا الصَّلاَة وَالسَّلاَم، وِجَاء مهاجرًا مع إبْرَاهِيم من أَرْضِ بَابِل بِالْعِرَاق إلى الشَّام، وَأَرْسلَه اللهُ إلى قَومِه، وكان قَومُه أمّةً خَبِيثَة، قومَ سَوْء، وكانوا يَأْتُون الذُّكرانَ من الْعَالَمِين، وهم أَوَّل من فعل هذه الْفَاحِشَة الشَّنِيعَة التي لم يَسْبِقُهُم إِلَيْهَا