أو
في مَحَلاَّتٍ يَجْتَمِعُ فِيهَا الطُّلاَّبُ وَالْمَشَايِخُ ولا يَحْضُرُه
غَيْرُهِم، فمثل هذا تَقِلُّ أهميتُه وَفَائِدَتُه وَيَفْقِدُ هذه المِيزَةَ
الْعَظِيمَةَ وهي حُضُورُ الْمَلاَئِكَة.
وقولُه صلى الله عليه وسلم: «يَتْلُون كُتَّابَ الله» أَي: الْقُرْآن
الْكَرِيم، وَيدْخُلُ فيه السُّنة؛ لأنَّ السُّنةَ من كُتَّابِ اللهِ عز وجل،
فَيَقْرَءُون كِتابَ اللهِ وَيَتَفَقَّهُون فيه وَيَتَدَارَسُونَه فِيْمَا
بَيْنَهُم فيُعلِّمُ بَعْضُهُم بعضًا، فهذا فيه فَضْلُ حِلَقِ وتحفيظِ الْقُرْآنِ
في الْمَسَاجِد، وهذه ظَاهِرَةٌ عَظِيمَةٌ عند الْمُسْلِمِين، و«يَتَدَارَسُونَهُ» فَإِنَّ من تَدَارُسِ
الْقُرْآنِ تدارُسَ مَعَانِيه وَقِرَاءَةَ التَّفْسِير، فَيَقْرَءُون الْقُرْآنَ
ويتأمَّلون مَعَانِيه ويتدبرَّونه؛ لأَنَّه ليس الْمَقْصُودُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ
أو حِفْظَه فَقَط مع أَهَمِّيَّةِ ذَلِك، لَكِن هذا لا يَكْفِي؛ إذ لابدَّ من
تدارُسِ مَعَانِيه وفَهْمِ ما أَرَادَه اللهُ جل وعلا به وَالاِهْتِدَاءِ بهَدْيه،
وأمَّا مجرَّدُ الْحِفْظِ له دون تدبُّر مَعَانِيه وَفَهْمِهَا فهو عَمَلٌ نَاقِص.
وَقَوْله: «إلاَّ نَزَلَت عَلَيْهِم السَّكِينَة»: والسَّكينة شَيْءٌ يَجْعَلُه
اللهُ في الْقُلُوب، وهي الطُّمَأْنِينَةُ وَذَهَابُ الْوَسَاوِسِ والانشغالُ
الْقَلْبِيّ، وهذا خاصٌّ بِالْمَسَاجِد، فَالطُّمَأْنِينَةُ إنَّما تَكُونُ في الْمَسَاجِدِ
التي هي بُيُوتُ اللهِ عز وجل.
وَقَوْلُه: «وغَشيتهم الرَّحْمَة» أَي: غطَّتهم رحمةٌ من اللهِ سبحانه وتعالى،
وهذه فَائِدَةٌ ثَانِيَة من فَوَائِدِ الاِجْتِمَاعِ في بُيُوتِ اللهِ عز وجل
لأَِجْلِ طَلَبِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيّ.
وَقَوْلُه: «وَحَفَّتْهُمْ الْمَلاَئِكَةُ» وهذا هو محلُّ الشَّاهِد؛ حيث إنَّ الْمَلاَئِكَةَ تُحِيطُ بِهَؤُلاَء الْمُجْتَمِعِين في بُيُوتِ اللهِ جل وعلا، وتتحلَّقُ مَعَهُم،
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد