هي
آخِرُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا مع خُطْبَةِ غَدير خُمّ، وقد تشابَهت الْخُطْبَتَان، ففي
كلاَ الْخُطْبَتَيْن أَوْصَى عليه الصلاة والسلام بالتمسُّك بِكِتَابِ اللهِ جل
وعلا، والسِّرُّ في تَكْرَارِ هذه الْوَصِيَّة -واللهُ أَعْلَم- أنَّه شَعَر صلى
الله عليه وسلم بقُربِ أَجَلِه، فكرَّر الإيصاءَ بالتمسُّكِ بِكِتَابِ اللهِ جل
وعلا، وهذا من شَفَقَتِه عليه الصلاة والسلام بأُمَّتِه ونُصحِه لَهَا.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «وأنتم تُسألون عنِّي» هذا كما في قولِه
تَعَالَى: ﴿فَلَنَسَۡٔلَنَّ
ٱلَّذِينَ أُرۡسِلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَنَسَۡٔلَنَّ ٱلۡمُرۡسَلِينَ﴾ [الأعراف: 6]، فاللهُ جل وعلا يسألُ الأُممَ يوم
الْقِيَامَة: هل بلَّغَتْكُم رُسُلُكم؟ فأهلُ الإِْيمَانِ يَقُولُون: نَعَم
بلَّغتْنا، وأمّا أهلُ الْكُفْرِ فَيَقُولُون: ﴿مَا جَآءَنَا مِنۢ بَشِيرٖ وَلَا نَذِيرٖۖ﴾ [المائدة: 19] فَهُم يَجْحَدُون.
فَقوله صلى الله عليه وسلم: «وأنتم تُسالون عَنِّي» يَعْنِي:
تُسْأَلُون هل بلَّغتُكم؟ ولهذا فقد أَجَابَه الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللهِ
عَلَيْهِم: «نَشْهَد أَنَّك قد بلَّغتَ
وأدَّيتَ ونصحتَ».
وفي قَوْلِه: «قَال بِأُصْبُعِه السَّبَّابة يَرْفَعُهَا
إلى السَّمَاء» فيه إثْبَاتُ عُلوِّ اللهِ جل وعلا، فَرفعَ أصبعَه عليه الصلاة
والسلام إشارةً إلى رَبِّه، ففي هذا إثْبَاتٌ وَاضِحٌ لِعُلُوِّه جل وعلا على
خَلْقِهَ، لأَنَّه صلى الله عليه وسلم أَشَار إلَيْه في العُلوِّ، فهذا من أدلَّةِ
عُلوِّ اللهِ على خَلْقِه.
وفي قَولِه: «يَنكُتُها إلى النَّاس» يَعْنِي: يُصوِّبها إلى الْحَاضِرِين؛ ثم قَال: «اللهمَّ اشهَدْ» ثَلاَث مَرَّات؛ يَعْنِي: أنَّي بلَّغتُهم وأنَّهم أقرُّوا بِالْبَلاَغ، فَاسْتُشْهدَ اللهُ عَلَيْهِم، لِئَلاَّ يقولَ أَحَد: إنَّ الرَّسولَ صلى الله عليه وسلم لم يُبلِّغ.
الصفحة 9 / 339
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد