إحْدَاثِ الْبِدَع، وَالْبِدْعَة: ما أُحدِثَ في
الدِّيْن ممَّا ليس منه، وأمَّا ما أُحدِثَ في أُمُورِ الدُّنيا من الصِّنَاعَاتِ
وَالْمُخْتَرَعَاتِ فلا بَأْسَ به ولا يُعَدُّ من البِدَع، وإنَّما الْكَلاَمُ على
ما أُحدثَ في الدِّينِ ممَّا ليس منه.
قولُه: «فإنَّ
كلَّ مُحدَثةٍ بِدْعَة، وكلَّ بِدْعَة ضَلاَلَة» في هذا ردٌّ على الْقَائِلِين
بأنَّ هناك بدعًا حَسَنَةً ومُحدثاتٍ طَيِّبَة؛ لأَنَّه ليس هناك بِدْعَةٌ
حَسَنَة، وإنَّما كلُّ البِدَعِ وَالْمُحْدَثَاتِ شرٌّ؛ لأنَّ اللهَ جل وعلا
أَكْمَل لَنَا الدِّيْن، ومات ولم يمت الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم إلاَّ بعدما
أَكْمَلَ اللهُ به الدِّين، قال تَعَالَى: ﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ
عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ﴾ [المائدة: 3] فلا حَاجَةَ إلى إضَافَاتٍ
وَاسْتِحْسَانَاتٍ يَأْتِي بها النَّاسُ في أُمُورِ الدِّين، فَيَكْفِينَا
الدِّيْنُ الذي أَكْمَلَه اللهُ تَعَالَى، ولا حَاجَةَ لَنَا إلى الزِّيَادَة.
وقوله في الرِّوَايَة الأُْخْرَى:
«لَقَد تَرَكْتُكُم على الْبَيْضَاء»
أَي: الجادَّة الْوَاضِحَة، وهي صِرَاطُ الله جل وعلا، فَمَن سَار عَلَيْه نَجَا،
ومن تَرَكَه هَلَك، فلا طَرِيقَ إلى الْجَنَّةِ إلاَّ من خِلاَل اتِّباعِ سُنَّةِ
الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، فمَن تَرَكَهَا كان حالُه كَحالِ الذي أَضَاع
الطَّرِيقَ في مَهلكة.
وَيَدُور على أَلْسِنَةِ بَعْضِ النَّاسِ قَوْلهم: «تَرَكْتُكُم على المحجَّة الْبَيْضَاء» وَكَلِمَة «محجَّة» لم تَثْبُتْ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وإنَّما الذي ثَبَت قولُه صلى الله عليه وسلم: «تَرَكْتُكُم على الْبَيْضَاء» وهي المِلَّةُ والحُجَّةُ الْوَاضِحَة التي لا تقْبَلُ الشُّبهَ أصلاً؛ ولهذا جَاء بَعْدَهَا قولُه صلى الله عليه وسلم: «لَيْلِهَا كَنَهَارِهَا» فَصَار حَالُ إيرَادِ الشُّبه عليها كَحالِ كَشْفِها عنها ودَفْعِها.
الصفحة 10 / 339