قَوْلُه: «جَاءَ
ثَلاَثَةُ رَهْطٍ» أي: من الصَّحابة؛ والرَّهْط: من ثَلاَثَةٍ إلى عَشَرة، «إِلَى أَزْوَاج النَّبِيِّ صلى الله عليه
وسلم » وهذا من حِرْصِهِم رضي الله عنهم على الْخَيْر، وهم إنَّما أَرَادُوا
الرُّجوع إلى سنَّة النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِيَبْنُوا عليها ما هُمْ عليه
من الْعِبَادَة، وهكذا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِم أن يكون، فَيَرْجِع إلى سُنَّة
الرَّسول صلى الله عليه وسلم دون أن يَبْتَدِع شيئًا من عِنْدِه، فهؤلاء رضي الله
عنهم لم يَعْتَمِدُوا على اجْتِهَادِهِم، وإنَّما ذَهَبوا إلى بُيُوت النَّبِيِّ
صلى الله عليه وسلم؛ لأَنَّه هو الْقُدْوَة، فَسَأَلُوا عن عَمَلِه لأَِجْل أن
يَقْتَدُوا به، فَلَمَّا ذَكَرَت لهم نِساءُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عِبَادَتَه
عليه الصلاة والسلام «كأنَّهم تقالُّوها»
أي: رَأَى كُلٌّ منهم أنَّها قَلِيلَةٌ، ثم إنَّهُم اعْتَذَرُوا لِرَسُول الله صلى
الله عليه وسلم؛ بِمَعْنَى أَنَّهُم قالوا: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم
مغفورٌ له ما تقدَّم من ذَنْبه وما تأخَّر. أي: إنَّه صلى الله عليه وسلم ليس
بِحَاجَةٍ إلى زِيَادَة عبادةٍ، وأيْنَ نحن منه وقد غَفَر الله له؛ لقوله تعالى: ﴿لِّيَغۡفِرَ
لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾
[الفتح: 2].
وَمَع أنَّه صلى الله عليه وسلم مَغْفُورٌ له إلاَّ
أنَّه لم يَتْرُكِ الْعِبَادَة بل قَامَ حتَّى تَفَطَّرَت قَدَمَاه من طُوْل
الْقِيَام، ولمَّا قالت له عَائِشَة رضي الله عنها: لِمَ تَصْنَع هذا يا رَسُول
الله وقد غَفَر الله لَك ما تقدّم من ذَنْبِك وما تَأَخَّر؟ وذلك بعدما رَأَت
أنَّه قد تفطَّرت قَدَمَاه صلى الله عليه وسلم من كَثْرَة ما كان يَقُوم من
اللَّيْل، قال: «أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ
أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا؟!» ([1]).
فالرَّسول صلى الله عليه وسلم كانت سُنَّته الاِعْتِدَال، فكان يَصُوم وَيُفْطِر، ويُصَلِّي وَيَنَام، وكان يتزوَّج النِّسَاء، فلا يَحْرِم نفسَه من الرَّاحَة، ولا من الْمُتْعَة عليه الصلاة والسلام، وفي الْوَقْت نَفْسِه لم يَكُن لِيَتْرُكَ الْعِبَادَة بل كان يُعطيها
([1]) أخرجه: البخاري رقم (1078)، ومسلم رقم (2819).