حقَّها، فكان صلى الله عليه وسلم يَجْمَع بين
هذا وهذا؛ فيُعطي نفسَه حقَّها من أُمُور الدُّنيا، ويُعطي الْعِبَادَة حقَّها من
أُمُور الدِّين.
وقولُه: «كَأَنَّهم تقالُّوها» أي: استقلُّوها وعدُّوها قَلِيلَةً،
وَلَكَنَّهُم اعْتَبَرُوا أنَّ هناك فَرْقًا بَيْنَهُم وبيْن الرَّسول صلى الله
عليه وسلم؛ حيث غَفَر الله له ذَنْبَه ما تقدَّم منه وما تَأَخَّر، وقالوا: نَحْنُ
بِحَاجَةٍ إلى الزِّيَادَة، وأيْنَ نَحْنُ من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم !
هكذا اجْتَهَدُوا رضي الله عنهم، وقال كُلٌّ منهم مَقَالَتَه مُبيِّنا وذاكرًا ما
عليه حَالُه من الْعِبَادَة من قِيَام اللَّيْل وَصَوْمِ النَّهَار وَاعْتِزَالِ
النِّسَاء.
فلمَّا بَلَغ ذلك النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غَضِب
ثم قال: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ
كَذَ وَكَذَا، أَمَا وَاللهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ،
وَلَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ،
فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»؛ فمَن مَال إلى التَّشدُّد
وَإلى حِرْمَان نَفْسِه ممَّا أَبَاح الله لَهَا من الرَّاحَة وَالشَّهْوَةِ
والاستجمامِ، وَحَمَل نفسَه على الجِدِّ أبدًا، فهو مخالفٌ لسُنَّة الرَّسُول صلى
الله عليه وسلم.
ففي قوله صلى الله عليه وسلم: «فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»: دَلِيلٌ على تَحْرِيم
التَّشدُّد والتَّنطُّعِ في الْعِبَادَة، وَتَحْرِيمِ الغُلُوِّ وَالإِْفْرَاطِ
فِيهَا.
وفيه أَنَّ على الإِْنْسَان أن يَعْتَدِل وأنْ يَأْخُذ من الدِّين بقَدْر ما يَسْتَطِيع؛ فلا أَحَدَ يَسْتَطِيع أن يَسْتَكْمِل الدِّين كلَّه؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «لَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إلاَّ غَلَبَهُ» ([1])، فلا أَحَدَ يَسْتَطِيع أن يَصِل بِنَفْسِه إلى دَرَجَة الْكَمَال.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (39)، ومسلم رقم (2816).
الصفحة 3 / 339
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد