وعن
ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «مَنْ كَانَ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ
قَدْ مَاتَ، فَإِنَّ الْحَيَّ لاَ تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ، أُولَئِكَ أَصْحَابُ
مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كَانُوا أَفْضَلَ هَذِهِ الأُْمَّةِ، أَبَرَّهَا
قُلُوبًا، وَأَعْمَقَها عِلْمًا، وَأَقَلَّها تَكَلُّفًا، اخْتَارَهُمُ اللهُ
لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلِإِقَامَةِ دِيْنهِ، فَاعْرِفُوا
لَهُمْ فَضْلَهُمْ، وَاتَّبِعُوهُمْ عَلَى أَثرِهِمْ، وَتَمَسَّكُوا بِمَا
اسْتَطَعْتُمْ مِنْ أَخْلاَقِهِمْ وَسِيَرِهِمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى
الْهُدَى الْمُسْتَقِيْمِ». رَوَاه رَزِينُ ([1]).
****
وهذا الأَْثَرُ
عن ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، الذي كانت كَلِمَاتُه كُلُّهَا حِكْمَةً
وَنُورًا، التي رَسْم فيها الطَّرِيقَ الصَّحِيحَ التي من خِلاَلِهَا يَصِل
الْمُسْلِم إلى السُّنَّة الصَّحِيحَةِ، دون انْحِرَافٍ أو اعْوِجَاجٍ عن
الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.
فَقَوْلُه: «مَنْ
كان مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ» لأنَّ الْمَيِّت قد انْتَهَى
ولا يُخشى عليه مِن الْفِتْنَة، وأمَّا الحيُّ فإنَّه عُرضةٌ لِلْفِتَن، فمن
أَرَاد الاِقْتِدَاء فليقتدِ بالأئمَّة السَّابِقِين، وأمَّا بِالنِّسْبَة لمَن
جَاء بَعْدَهُم، فإنَّه يُؤْخَذ منهم ما وافَقَ الحقَّ ويُترك ما خَالَفَه.
وقَوْلُه: «أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كَانُوا أَفْضَلَ هَذِهِ الأُْمَّةِ» وهذا مِثْل قَوْل حُذَيْفَةَ الذي سَبَق في الأَْثَرِ السَّابِقِ الْقَائِلِ فيه: «كُلُّ عِبَادَةٍ لاَ يَتَعَبَّدَهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلاَ تَعَبَّدُوهَا»، لِما في الصَّحَابَة –رِضْوَان الله عَلَيْهِم- من الصِّفَات التي لا تُوجَد في غَيْرِهِم من هذه الأُْمَّة؛ «لأَِنَّهُمْ كَانُوا أَبَرَّهَا قُلُوبًا، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا» فَقُلُوبُهُم رضي الله عنهم من أَتْقَى قُلُوب هذه الأُْمَّةِ، وعِلْمُهم رَاسِخٌ وليس مُتذبْذبًا،
([1])أخرجه عن ابن مسعود: البغوي في «شرح السنة» (1/214).
الصفحة 3 / 339