وقَوْلُه: «آيةٌ مُحْكَمَةٌ» أي: من الْقُرْآن الْكَرِيم؛ والمُحكَم هو غير
الْمَنْسُوخ وغير المُتشابه، فَالآْيَة الْمُحْكَمَة هي غير الْمَنْسُوخَة ولا
الْمُتَشَابِهَة، وهي الدَّلِيل الصَّرِيحُ التي يَجِب الأخْذُ بها، وأمَّا
الاِسْتِدْلاَل بِالْمُتَشَابِه فهي طَرِيقَة أَهْل الزَّيغ، ومن الْمَعْلُوم أنَّ
الأَْخْذ بِالْمَنْسُوخ لا يَجُوز؛ لأَنَّه لا يُعمَل به وإنَّما يُعمَل
بِالنَّاسِخ، ومن عَمَل بِالْمَنْسُوخ اعتُبِرَ ضالًّا، والله جل وعلا يَنْسَخ ما
يَشَاء لِحِكْمَةٍ، فَيَنْبَغِي الأَْخْذ بِالنَّاسِخ وَتَرْكُ الْمَنْسُوخ،
وَالْعَمَل بِالْمَنْسُوخ ضَلاَلٌ، وهو عَمَلٌ بِغَيْر دَلِيلٍ.
وقَوْلُه: «سُنَّةٌ قَائِمَةٌ» أي: من سُنَن الرَّسُول صلى الله عليه وسلم،
والسُّنَّة تُطْلَق ويُراد بها الطَّرِيقَةُ التي كان عليها الرَّسُول صلى الله
عليه وسلم، وَتُطْلَق على ما ثَبَت عن الرَّسُول صلى الله عليه وسلم من قولٍ أو
فعْلٍ أو تَقْرِيرٍ، وهي الأَْحَادِيث الصَّحِيحَةُ الثَّابِتَةُ عنه صلى الله
عليه وسلم، فَيَجِب الْعَمَل بها بعد كِتَاب الله جل وعلا، وقَوْلُه: «قَائِمَةٌ» يعني: ثَابِتَةٌ، إسنادًا أو
حكمًا بِأَلاَّ تَكُون مَنْسُوخَةً، وهي الدَّائِمَة الْمُسْتَمِرَّةُ الْمُتَّصِل
بها الْعَمَل.
وقَوْلُه: «فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ» أي: في الْمَوَارِيث؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى قسَّم الْمَوَارِيث في كِتَابه الْكَرِيمِ وفي سُنَّةِ نَبِيِّه صلى الله عليه وسلم وَأَعْطَى كُلَّ ذي حقٍّ حقَّه، فلا يَجُوز التَّلاَعُب بِالْمَوَارِيث وَحِرْمَانُ الْوَارِث وَإِعْطَاءُ غَيْرِه؛ لأنَّ الله تعالى لمَّا ذَكَر الْمَوَارِيث قال: ﴿تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ﴾ [النساء: 13] فَسَمَّاهَا حُدودًا ﴿تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ١٣وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ يُدۡخِلۡهُ نَارًا خَٰلِدٗا فِيهَا وَلَهُۥ
الصفحة 2 / 339