×
شرح أصول الإيمان

الْعُلَمَاء مَهْمَا كانوا بَعِيدِين، وأنَّ السَّفَر وتحمُّلَ المشاقِّ لأَِجْل طَلَب الْعِلْم ليس بِكَثِيرٍ على هذا الْمَطْلَبِ الْعَظِيمِ، وهذا الرَّجُل الذي سَأَل أَبَا الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه كان قد سَافَر من الْمَدِينَة إلى الشَّام، ومن الصَّحَابَة من سَافَر من الْمَدِينَة إلى مِصْرَ لِطَلَب حَدِيثٍ وَاحِدٍ، فقد كانوا رضي الله عنهم يَرْحَلُون لِطَلَب الْعِلْم، ففي هذا فضلُ الرِّحلة لِطَلَب الْعِلْم.

قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ» أي: إنَّ مَشْيَ طَالِب الْعِلْم وسفرَه يُؤدِّي به إلى الْحَقِّ؛ لأَنَّه يَطْلُب الْعِلْم.

وَسُلُوك الطَّرِيق يَشْمَل الطَّرِيقَ الحِسِّيَّ لِلسَّفَر، وَيَشْمَل أيضًا الطَّرِيقَ الْمَعْنَوِيَّ لِحِفْظ الأدلَّة والتَّفقُّه فيها وَالْجُلُوسِ بين يَدَي الْعُلَمَاء، فَكُلُّ هذا من باب سُلُوك الطَّرِيق لِطَلَب الْعِلْم وَإِن كان في الْبَلَد الْوَاحِدِ، فَالطَّرِيق يَشْمَل الطَّرِيقَ الحِسِّيَّ وهو السَّفَر، وَيَشْمَل الطَّرِيقَ الْمَعْنَوِيَّ الذي هو طَلَب التَّحْصِيل وَالتَّعَبُ في فهم الْعِلْم وتلقِّيه وَالسَّهَرُ عليه وغيرُ ذلك من المشاقِّ، ومن عَمِل ذلك فَإِن الله جل وعلا يُسَهِّل طَرِيقه إلى الْجَنَّة، لأنَّ الْوُصُول إلى الجنَّة إنَّما يَحْصُل بِالْعِلْم النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالحِ.

وفي الْحَدِيث دليلٌ على أنَّ الْعِلْم يُؤْخَذ بالتَلقِّي، لا من الكُتُب، ولا من نَقْل فُلاَنٍ أو فُلاَنٍ، فَبِمَا أنَّ الأَْصْل مَوْجُودٌ فإنَّه يَنْبَغِي الذَّهَابُ إلَيْه لتلقِّي الْعِلْم عنه.

وقَوْلُه: «وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ» أي: إنَّ الْمَلاَئِكَة لَتتواضع لِطَالِب الْعِلْم توقيرًا لِعِلْمِه، وتُجِلُّه وتُقدِّره، وهذا كقوله تعالى: ﴿وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ [الإسراء: 24]، وقَوْلِه تعالى: ﴿وَٱخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ [الشعراء: 215]؛ أي: تواضَعْ لهم وقدِّرْهم.


الشرح