أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وقد كَذَبُوا في هذه،
لأنَّ السَّلاَمَة لا تَكُون إلاَّ مع الْعِلْم وَالْحِكْمَةِ.
وَقَد حَثَّ صلى الله عليه وسلم على الاِقْتِدَاء
بالأقْدَمِين فقال: «وَعَلَيكُمْ
بِالْعَتِيقِ» يعني: بِالْقَدِيم؛ لأَنَّه كُلَّمَا ارْتَفَع الزَّمَان،
وَقَرُب من زَمَان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ومن أَصْحَابِه ومن
التَّابِعِين؛ فإنَّه يكون أَقْرَب إلى الصِّحَّة وَالثُّبُوتِ وَعَدَمِ وُجُود
الدَّخِيل فيه، فَعِلْم السَّلَف لا شَكَّ أنَّه هو الْعِلْمُ الصَّافِي، وأمَّا
عِلْم الْخَلَف فقد دَخَلَه ما دَخَلَه، فَمِنْه ما هو صَحِيحٌ ومنه ما هو غيرُ
ذلك؛ لأَنَّه بعد الْقُرُون الثَّلاَثَة الْمُفَضَّلَةِ دَخَلَت الأَْهْوَاء عند
بَعْض الْمُسْلِمِين وَانْتَشَرَت الْفِرَق بِخِلاَف وَقْت الْقُرُون
الْمُفَضَّلَةِ التي كان الْعِلْم فيها صافيًا لا دَخِيل فيه؛ لأَنَّهُم كانوا
حُرَّاسًا وَأُمَنَاءَ عليه.
فَكُلَّمَا تَقادَم الْقَوْل كان أَقْرَب إلى الصَّوَاب،
هذا معنى كَلاَم ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، فَحَثَّ أوَّلاً على طَلَب الْعِلْم
من أَهْلِه، وثانيًا على أَخْذ الْعِلْم الْقَدِيمِ؛ لأَنَّه أَقْرَب إلى
الصَّوَاب وإلى عَهْد الرَّسُول صلى الله عليه وسلم، وللإمام الْحَافِظِ ابْنِ
رَجَبٍ رحمه الله رِسَالَةٌ جَيِّدَةٌ في بَيَان فَضْل عِلْم السَّلَف على عِلْم
الْخَلَف؛ لأَنَّه وَجَدَ من أَهْل الضَّلاَل من يُفَضِّل عِلْم الْخَلَف على
عِلْم السَّلَف مُدَّعين أنَّ عِلْم الْخَلَف أَكْثَرُ فَهْمًا، وَأَنَّ السَّلَف
مُجَرَّد عِبَادٍ، لأنَّ الْجِهَاد كان يَشْغَلُهُم عن الْعِلْم.
وقَوْلُه: «وَإِيَّاكُمْ والْبِدَع وَالتَّنَطُّع وَالتَّعَمُّق» وفي هذا نَهْيٌ عن اتِّبَاع الأُْمُور الْمُحْدَثَةِ وعن كَثْرَة التَّشقيقات وَالْجَدَلِيَّاتِ والافْتراضاتِ وَكَثْرَةِ الْكَلاَم؛ لأنَّ الْعِلْم ليس بِكَثْرَة الْكَلاَم وإنَّما الْعِلْم بالتَّأصيل، ولذلك كان عِلْم السَّلَف أَقَلَّ كلامًا وَأَكْثَرَ فَائِدَة، وَأَقَلَّ لفظًا وَأَكْثَرَ مَعْنًى.