×
شرح أصول الإيمان

وفي «الصَّحِيحَيْن» عن ابْنِ عُمَرَ مرفوعًا: «إِنَّ اللهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِمَوْتِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْق عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» ([1]).

****

وممَّا ذَكَرَه الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ أنَّ السَّلَف كانوا أَقَلَّ كلامًا وَلَكَنَّهُم كانوا أَغْزَرَ عِلْمًا وَفَائِدَةً، وَالْخَلْف على الْعَكْس فَكَانُوا أَكْثَر كلامًا وَأَقَلَّ فَائِدَةً.

ومما يُفْهَم أيضًا من كَلاَم ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: دَعْوَتُه إلى تَحْصِيل الْعِلْم من أُصُولِه؛ لأَنَّه سَيَحْتَاج إلَيْه، وسيحتاج النَّاس إلى الْعُلَمَاء، فيكون عند من حَصَّلَه أَهْلِيَّةٌ لِحَلِّ ما يَعْرِض من الْمُشْكِلاَت، فمن لم يَكُن عِنْدَه أهْليَّةٌ وَجَاءَتْه مُشْكِلَةٌ أو مُعضِلةٌ تَحَيَّر وَإِنِ ادَّعَى الْعِلْم وَالْمَعْرِفَةَ، بِخِلاَف أَهْل الْعِلْم الصَّحِيحِ الذين يتصدَّون للمُلِمَّات الصَّعْبَةِ، فَالْعِلْم ليس بِالدَّعْوَى، وإنَّما هو حَقِيقَةٌ، وَلِسَان حَال ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أنَّه يقول: عَلَيْكُم بِالاِسْتِعْدَاد من خِلاَل التَّسلُّح بِالْعِلْم لأَنَّه إذا ما حَصَلَت مُشْكِلَةٌ يكون حَلُّهَا سَهْلاً، إمَّا مُشْكِلَةٌ عَامَّةٌ وإمَّا مُشْكِلَةٌ فَرْدِيَّةٌ.

بيَّن النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في هذا الْحَدِيثِ بِأَيِّ شَيْءٍ يُمْكِن أن يُقبَضَ الْعِلْمُ، ولا يعني قَبْضُ الْعِلْم رَفْعَه كُلَّه بِحَيْث لا يَبْقَى في الأَرْض الْعِلْم، وإنَّما يَبْقَى موجودًا في الْكُتُب وَصُدُورِ الْحُفَّاظ، وإنَّما الْمُرَاد بِقَبْض الْعِلْم هُنَا: قَبَض أَهْلِه وهم الْعُلَمَاء، فَيَتَّخِذ النَّاس رُءُوسًا جُهَّالاً يَحْكُمُون بجهالاتهم فيَضِلُّون ويُضِلُّون، فإذا ذَهَب الْعُلَمَاء بعد قَبْض


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (100)، ومسلم رقم (2673).