×
شرح أصول الإيمان

هَكَذَا تَكُون الْمَسَاجِد عَامِرَةً، وَإِنْ كان عِمَارُهَا المادِيُّ من أيِّ شَيْءٍ؛ لأَنَّهَا إن كانت عَامِرَةً بِالْهُدَى وَالنُّورِ وَذِكْرِ الله فهي مَعْمُورَةٌ، فقد كان مَسْجِد الرَّسُول صلى الله عليه وسلم قائمًا على جُذُوع النَّخْل وعلى الْجَرِيد، وكان الْمَطَر إذا نَزَل يَنْزِل إلى دَاخِل الْمَسْجِد، فَيَسْجُد الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُه على الطِّين، ولم يَكُن لِلْمَسْجِد أبوابٌ ولا مصابيحُ، وكانت الْكِلاَب تَدْخُل فيه، وكان -مع ذلك كُلِّه- منارةَ الدُّنْيَا، وهو الذي شَعَّ منه النُّور في الْعَالَم، وهو الذي خَرَج منه الْمُجَاهِدُون والأبطالُ، وَخَرَج منه الْعُلَمَاء وَالأَْحْبَار، فَالْعِبْرَة ليست في نَوْع الْبُنْيَان وضخامتِه، وإنَّما الْعِبْرَة بما يَحْصُل في هذه الْمَسَاجِد من الْعِبَادَة وَالتَّعْلِيمِ.

وقَوْلُه: «عُلَمَاؤُهُم شرُّ مَنْ تَحْت أَدِيمِ السَّمَاء» لأَنَّهُم لا يَقُولُون كَلِمَة الْحَقِّ، ويُتابعون هَوَى النَّاس، فيفتونهم بما يَصْلُح لهم ولا يُغْضِبُون الْمَسْئُولِين، ويتلمَّسون لهم الرُّخَص، بِحُجَّة التَّوْسِعَة لهم وللنَّاس، فلا يُفْتُونَهُم بِالْحَقِّ وَالْعِلْمِ الصَّحِيحِ، فهم شَرُّ مَنْ تَحْت أَدِيم السَّمَاء، وَإِنْ كانوا عُلَمَاء.

وَقَد شبَّه الله مِثْل هَؤُلاَء بِالْحَمِير وَالْكِلاَبِ، قال تعالى: ﴿مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ ثُمَّ لَمۡ يَحۡمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلۡحِمَارِ يَحۡمِلُ أَسۡفَارَۢاۚ [الجمعة: 5]، وَقال تعالى: ﴿وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱلَّذِيٓ ءَاتَيۡنَٰهُ ءَايَٰتِنَا فَٱنسَلَخَ مِنۡهَا فَأَتۡبَعَهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ ١٧٥وَلَوۡ شِئۡنَالَرَفَعۡنَٰهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُۥٓ أَخۡلَدَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُۚ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ ٱلۡكَلۡبِ إِن تَحۡمِلۡ عَلَيۡهِ يَلۡهَثۡ أَوۡ تَتۡرُكۡهُ يَلۡهَثۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَاۚ فَٱقۡصُصِ ٱلۡقَصَصَ لَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ ١٧٦ [الأعراف: 175- 176]، هَؤُلاَء هم شَرُّ مَنْ تَحْت أَدِيمِ السَّمَاء.


الشرح