إلاَّ بِالْجَدَل، أي: بِالْخُصُومَة
بِالْبَاطِل، ليُرَوِّج لِلْمَذَاهِب الْكَاسِدَةِ وَالْعَقَائِدِ الْفَاسِدَةِ لا
الْمُنَاظَرَة لِإِظْهَار الْحَقِّ وَاسْتِعْلاَمِ ما ليس معلومًا عِنْدَه، أو
تَعْلِيمِ غَيْرِه ما عِنْدَه، ابْتَلاَه الله بِالْجَدَل، ومن تَرَك السُّنَّة
ابْتُلِي بِالْبِدْعَة وَالْمُحْدَثَاتِ عُقُوبَةً له.
فَالْوَاجِب على الْمُسْلِمِين عُمومًا وَطَلَبَةِ
الْعِلْم خُصوصًا الْعَمَلُ بِالْعِلْم وَالإِْخْلاَصُ لِلَّه عز وجل، وَالْحَذَرُ
من الْبِدَع وَالْمُحْدَثَاتِ، وإلاَّ فَإِنَّ الله سيُعاقَبَهم فيُبَدِّلهم
الجَدَلَ بَدَلَ الْعِلْمِ، وَالْجَدَل لا فَائِدَة فيه، فليس من سِمَاتِه إلاَّ
الْمُغَالَطَات والمُهَاتَراتُ وَمَحَبَّةُ الْغَلَبَة وَالظُّهُورِ على الْخَصْم،
فهذه عُقُوبَةٌ، وإذا تَرَكُوا السُّنَّة ابتُلُوا بِإِحْيَاء الْبِدَع وَالْمُحْدَثَاتِ
كما هو وَاقِعٌ ومشاهَدٌ.
وَلَمَّا نَزَل قَوْلُه تعالى: ﴿إِنَّكُمۡ وَمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ
جَهَنَّمَ أَنتُمۡ لَهَا وَٰرِدُونَ ٩٨لَوۡ كَانَ هَٰٓؤُلَآءِ ءَالِهَةٗ مَّا
وَرَدُوهَاۖ وَكُلّٞ فِيهَا خَٰلِدُونَ ٩٩﴾
[الأنبياء: 98- 99] قال الْمُشْرِكُون: أكلُّ مَنْ عُبِد دون الله في جَهَنَّم مع
مَنْ عَبَدَه؟ فَنَحْن نَعْبُد الْمَلاَئِكَة وَالْيَهُودُ تَعْبُد عُزَيرًا
والنَّصَارَى تَعْبُد الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ! فَأَنْزَل الله قَوْلَه
تعالى: ﴿مَا
ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلَۢاۚ﴾
[الزُّخرُف: 58] ([1]).
هُم يَعْرِفُون أنَّ قَوْلهم هذا بَاطِلٌ، وإنَّما قَصْدُهُم الْجِدَال، ودَفْعُ الْحَقّ فَقَط، فهم يَعْرِفُون أنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولُ الله، وأنَّه يَنْهَى عن عِبَادَتِه ولا يَرْضَى بِالشِّرْك، قال تعالى: ﴿مَا قُلۡتُ لَهُمۡ إِلَّا مَآ أَمَرۡتَنِي بِهِۦٓ أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمۡۚ﴾ [المائدة: 117].
([1]) انظر: « تفسيرابن جرير الطبري » (9/90).
الصفحة 2 / 339