×
شرح أصول الإيمان

والثَّاني: عِلْمُ الْقَلْب، وهو الْعِلْمُ النَّافِعُ، وهو الذي تُرَافِقُه الْخَشْيَة من الله عز وجل، الذي قال اللهُ تعالى فِيْه: ﴿إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْۗ [فاطر: 28].

فإذا أُعْطِي الإِْنْسَان عِلْمَ اللِّسَان وَعِلْمَ الْقَلْب وَالْخَشْيَةَ كان عالمًا، وأمَّا إذا أُعْطِي عِلْمَ اللِّسَان ولم يُعْط عِلْمَ الْخَشْيَة كان خاسرًا، ولن يَنْفَعَه عِلْمُه، وإنَّما يكون حُجَّةً عليه يوم الْقِيَامَة.

وَقَوْلُه: «يَعُدُّونَ أَنْفُسَهُمْ مَعَ الْمُفْرِطِيْنَ» أَي: لا يستكثرون أَعْمَالَهُم ولو كانت كَثِيرَةً، وإنَّما يستقلُّونها؛ لأنَّ حَقَّ الله أَعْظَمُ، ولا مُقَارَنَة بين أَعْمَال الْعِبَاد وبين حَقِّ الله تعالى عَلَيْهِم، فَنِعَمُه تعالى كَثِيرَةٌ ولن يُؤَدِّيَ حَقَّهَا الْعِبَادُ مَهْمَا كانت أَعْمَالُهُم كَبِيرَةً، وهو في جَانِب حَقِّ الله قَلِيلٌ؛ ولذلك فَإِنَّ من صِفَة هَؤُلاَء الْعُلَمَاء الأَْتْقِيَاءِ أَنَّهُم لا يَفْتَخِرُون بِأَعْمَالِهِم على النَّاس ولا بِعِلْمِهِم، بل يَعْتَبِرُون أَنْفُسَهُم من أَقَلِّ النَّاس عَمَلاً، وَأَدْنَاهُم مَنْزِلَةً، فلا يَتَرَفَّعُون عَلَيْهِم، وإنَّما يتواضعون لِلَّه عز وجل. وقد قال تَعَالَى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنۡ خَشۡيَةِ رَبِّهِم مُّشۡفِقُونَ ٥٧وَٱلَّذِينَ هُم بِ‍َٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ يُؤۡمِنُونَ ٥٨وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمۡ لَا يُشۡرِكُونَ ٥٩وَٱلَّذِينَ يُؤۡتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ رَٰجِعُونَ ٦٠أُوْلَٰٓئِكَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَهُمۡ لَهَا سَٰبِقُونَ ٦١ [المؤمنون: 57- 61]، قالت عَائِشَةُ -رضي الله تعالى عنها- لمَّا سَمِعْت هذه الآْيَات: يَا رَسُولَ اللهِ ﴿وَٱلَّذِينَ يُؤۡتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ [المؤمنون: 60] أَهُو الرَّجُل يَزْنِي وَيَسْرِق وَيَشْرَب الْخَمْر؟ قَال: «لاَ يَا بْنَةَ أَبِي بَكْرٍ -أَو: يَا بْنَةَ الصِّدِّيقِ- وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ وَيَخَافُ أَلاَّ يُقْبَلُ مِنْهُ» ([1]).


الشرح

([1])  أخرجه: الترمذي رقم (3175)، وابن ماجه رقم (4198)، وأحمد رقم (25705).