قال
الْحَسَنُ -وَسَمِع قومًا يَتَجَادَلُون-: «هَؤُلاَء قَوْمٌ مَلُّوا الْعِبَادَة،
وَخَفَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ، وَقلَّ وَرَعُهُمْ فَتَكَلَّمُوا» ([1]).
****
قَوْلُه:
«مَلُّوا الْعِبَادَة» ولذلك
اشْتَغَلُوا بِالْجَدَل والمُنَاقَشَاتِ فَلَمَّا تَرَكُوا الْعِبَادَة
انْصَرَفُوا إلى الْجَدَل.
قَولُه: «خَفَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ» أَي: يَسْتَمِرُّون في حَلَقَات
الْجِدَال ولا يَمَلُّون منه، حتَّى أَصْبَح أهونَ عَلَيْهِم من أيِّ شَيْءٍ
آخَرَ، بِخِلاَف الْعِبَادَة التي يَمَلُّون منها.
وَقَوْلُه: «وَقَلَّ وَرَعُهُم فَتَكَلَّمُوا» بِسَبَب اشْتِغَالِهِم بِالْجَدَل
وَالْكَلاَم فلم يَبْق عِنْدَهُم وَرَعٌ، ولو كان عِنْدَهُم وَرَعٌ لَعَلِمُوا
أنَّ الله سيُسجِّل عَلَيْهِم كَلاَمَهم، قال تَعَالَى: ﴿مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ
عَتِيدٞ﴾ [ق:18]، فلو تَذَكَّرُوا
هذا لَقلَّلوا من الْكَلاَم إلاَّ في طَاعَتِه عز وجل.
وَيَدْخُل في هذا الأَمْرِ الذين يُصْدِرون الأَحْكَام الشَّرْعِيَّةَ ويُفتون النَّاس دون عِلْمٍ أو تثبُّتٍ لِقِلَّة وَرَعِهِم؛ إذ لو كان عِنْدَهُم وَرَعٌ لَمَا تَسَاهَلُوا في الْفَتْوَى وَالتَّحْلِيلِ والتَّحْريمِ، الذي هو من أَشَدِّ ما تَرَتَّب على قِلَّة الْوَرَع.
([1])أخرجه: أبو نعيم في «الحلية» (2/ 157).
الصفحة 3 / 339
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد