×
شرح أصول الإيمان

وعن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما مرفوعًا: «إِنَّ اللهَ يَبْغَضُ الْبَلِيْغَ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِي يَتَخَلَّلُ بِلِسَانِهِ كَمَا تَتَخَلَّلُ الْبَقَرَةُ بِلِسَانِهَا». رَوَاه التِّرْمِذِيُّ وأَبُو دَاوُدَ ([1]).

****

وفي هذا تَمْثِيل ذمٍّ لِمَن جَعَل لِسَانَه سببًا لأَِكْلِه وتكسُّبِه كما تَفْعَل الْبَقَرَة باحتشاشها الأَْكْل بِلِسَانِهَا، وَخُصَّ الْبَقَرَةُ بِالذِّكْر لأنَّ جَمِيع الْبَهَائِم تَأْخُذ النَّبَاتِ بِأَسْنَانِهَا وهي تَجْمَع بِلِسَانِهَا.

وهذا الْحَدِيثُ مِثْل الذي قَبْلَه في ذَمِّ الْمُتَكَلِّف في الْكَلاَم، دون تَمْيِيز بين الْحَقِّ وَالْبَاطِل وَالْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «يَبْغُضُ الْبَلِيغَ مِنَ الرِّجَال» الْبَلِيغ: هو الذي يُنمِّق الْكَلاَم، والمُبالِغ في فَصَاحَتِه وَبَلاَغَتِه بِالْمَدْح وَالثَّنَاءِ طَمَعًا في الْحُصُول على الْمَكَاسِب والتَّأكُّل بِذَلِك، فهذا مَبْغُوضٌ وَمَذْمُومٌ، بِخِلاَف الْبَلاَغَة الخَلْقيَّة التي هي غيرُ مَذْمُومَةٍ.

وكما في الْحَدِيث السَّابِقِ؛ فقد شَبَّهَ صلى الله عليه وسلم هذا الصِّنْفَ من النَّاس الذين يتَشَدَّقون وَيَتَكَلَّفُون بِالْكَلاَم وَالْفَصَاحَة بِالْحَيَوَانِ، وَالْحَقُّ أنَّ الإِْنْسَان كَرَّمَه اللهُ ولكنَّ هذا الصِّنْفَ من النَّاس لم يُكْرِم نَفْسَه فَصَار مِثْلَ الْبَقَرَة الْبَهِيمَةِ التي «تَتَخَلَّلُ» أَي: تَلُف الْكَلَأ بِلِسَانِهَا لفًّا، وَوَجْه الشَّبَه في ذلك إدَارَة لِسَانِه حَوْل أَسْنَانِه وَفَمِه حَالَ التَّكَلُّم كما تَفْعَل الْبَقَرَة بِلِسَانِهَا حَالَ الأَْكْل!


الشرح

([1])  أخرجه: أبو داود رقم (5005)، والترمذي رقم (2853)، وأحمد رقم (6758).