×
شرح أصول الإيمان

وَلَهَذَا قال عَلَيٌّ رضي الله عنه: «حَدَّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُولُهُ؟!» ([1]).

فَيَنْبَغِي للمُتحدِّث وَالْخَطِيبِ أن يَخْتَار الأَْلْفَاظ الْوَاضِحَةَ وَالْبَيِّنَةَ التي لا لَبْسَ فِيهَا؛ لِيَأْخُذ عنه الْمُسْتَمِع وَيَحْفَظَ، وَأَن يَخْتَارَ من الأَْدِلَّة الْمُحْكَمَةِ الْوَاضِحَةِ، وَعَدَمُ الإِْتْيَان بِالأَْدِلَّة الْمُتَشَابِهَة بِحَيْث تَلْتَبِس وتَشْتَبِهُ على النَّاس، وَأَن يُرَاعِي مُسْتَوَى الْحَاضِرِين إنْ كانوا عَوَامَّ فيخاطبهم بما يَفْهَمُون، وَإِنْ كانوا مُتَعَلِّمِين فيُخاطِبُهم خِطَابَ الْعُلَمَاء، وَإِنْ كانوا مُخْتَلِطِيْن من الْعُلَمَاء وَالْعَوَامِّ فَيَأْتِي بِالأَْلْفَاظ وَالأَْسَالِيب التي تَصْلُح لِلْجَمِيع.

وَقَوْلُهَا: «كَان يُحَدِّثُنَا حَدِيثًا لَو عَدَّهُ الْعَادُّ لَأَحْصَاهُ» أَي: لو أَرَاد الْمُسْتَمِع عدَّ كَلِمَاتِه أو حُرُوفِه لَأَمْكَنَه ذلك بِسُهُولَةٍ، فقد كان صلى الله عليه وسلم يُقَلِّل الْكَلاَم مع جَزَالته، وهذا بِخِلاَف ما هو عليه بَعْض الْخُطَبَاء في وَقْتِنَا الْحَاضِر الذين يُبَالِغُون في إطَالَة خُطَبهم، والتي غالبًا لا يَسْتَفِيد منها الْحَاضِرُون، بل على الْعَكْس يتذمَّرون منها ويصفونها بالمُمِلَّة.

وَقَوْلُهَا: «لَمْ يَكُنْ يَسْرُد الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ» أَي: لم يَكُن صلى الله عليه وسلم يُتَابِع الْحَدِيث استعجالاً، وإنَّما كان يَتَكَلَّم بِكَلاَمٍ مُتَتَابِعٍ مَفْهُومٍ وَاضِحٍ على سَبِيل التَّأَنِّي، لِئَلاَّ يَلْتَبِس على الْمُسْتَمِع.

وَقَد كان من صِفَات خِطَابِه صلى الله عليه وسلم التَّرَسُّلُ في الْكَلاَم، فلا يُسْرِع بِحَيْث يفوت على السَّامِع، مع اخْتِيَار الأَْلْفَاظ الْفَصْلِ الْوَاضِحَةِ التي لا تَحْتَاج


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (127).