هذا كله بسببِ التغاضي عن أَهْل الشر وتَرْكهم حتى يَسْتفحل الأمرُ،
فلابُدَّ من الحَزْم، وسدّ البابِ في هذا الأمر، ولا يَعصم من البِدع بعدَ اللهِ
جل وعلا إلا العلمُ النّافع، أما الَّذي ليس عنده علمٌ فهذا يَنْجرف مع البِدع،
ويَظنها طَيبة، لأنه لا يَدري عن البِدع.
فلا يُنجي من البِدع إلا ما أمرَ به الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله:
«فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ
الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ».
هذا هو الذّي يَعصم من البِدع، وهذا يَحتاج إلى تعلُّم وتَفقُّه في دِين
اللهِ، ولهذا لمَّا كان السلَف أفقهَ الأُمة؛ كانوا أشدّ حذرًا من البِدع، وأشدّ
تحذيرًا من البِدع، لعِلمهم بما تَجرُّه إليه.
الفِتن إذا اشتعلتْ فإنها تَأتي على الرَّطب واليَابس، تأتي على الكَبير
والصّغير، تأتي على العُلماء وعلى غَيرهم، تَأتي على جَميع الناسِ، ولا يَستطيعون
الخَلاص منها، ولو تَخلّصوا منها ما تَخلّص منها أَهلهم وأَولادهم ومن حَولهم، فهي
مِثل النار إذا اشتعَلت في الحَطَب الهَشِيم، يَصْعب إطفاؤها، لكن القَضَاء عليها
أول ما تَحدث سَهْلٌ، أما القَضاء عليها بعدما تَعظم وتَتغلَّظ فإنه صعبٌ، فيَجب
الحَزْم معها، وعَدم التساهُل فيها.
ولما كان السلَف في القُرون المفضَّلة مُحاصرِين للبِدع ولا يَسمحون بشيءٍ
منها؛ كَانت القُرون المفضَّلة أَنْقى عُصور الأمّة، ولهذا أَثْنى عليها رسول الله
صلى الله عليه وسلم بقوله: «خَيْرُكُمْ
قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ».
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد