لأنهم ما كَانوا يَتساهلون مع البِدع، كانوا يُحاصرونها، وكان أهلُها
يَختفون من قُوّة أهلِ الحَق.
فلمّا انقضَت القُرون المفضَّلة نَشطت البِدع وأَهلها والشُّرور، واشتعلَت
الفِتن بين المُسلمين، لكن اللهَ جلّ وعلا تكفَّلَ بحِفظ هذا الدّين، فالدينُ
مَحفوظ وللهِ الحَمد، لكنّ الهلاكَ يكُون على أَهْل الدينِ، هم الَّذين يهلكونَ،
وأما الدّين فإنه مَحفوظ بحِفظ الله عز وجل، ويُقيّض الله له من يَنصره ويقومُ به،
قال تعالى: ﴿وَإِن
تَتَوَلَّوۡاْ يَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ
أَمۡثَٰلَكُم﴾ [محمد: 38]، وقال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا
ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرۡتَدَّ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَسَوۡفَ يَأۡتِي ٱللَّهُ
بِقَوۡمٖ يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ
عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ
لَآئِمٖۚ﴾ [المائدة: 54].
فاللهُ لا يُضيع دينه، لكن نحن الذين نَضِيع إذا ضيَّعنا دِيننَا،
وتَمَالَأْنَا مع المُبتدِعَة، وأَصحاب الإحدَاثات، وتَسَاهلنا معهم فإننا نَحن
الّذين نَضيع، ورُبّما تَنْشب الفِتنة والقِتال وتُسفك الدماءُ بسَببها، ولا
نَستطيع أن نتخلَّص منها.
قوله: «فعَظُمت وصارتْ دينًا يُدان بها»
أي أن البِدع إذا تُرِكت تَصير هي الدّين فيما بَعد، وقد سبق قوله: «ما أحدثَ الناسُ بِدعة إلا رُفِع مِثلها من
السنّة»، حتى تصيرَ البِدع هي الدّين، وتُرفَع السنَن وتَصير البِدع هي الدّين
عندَ هذا المُجتمع.
وليس مَعنى ذلك أن كُل الأمّة كذلك، لكن المُجتمع الذي يَسمح للبِدع بأن
تَنتشر فيه تَصير هي الدّين فيه، لكن لَيس مَعنى هذا أنّ الدينَ انقضَى،
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد