طافَ المَعاهد كلها، مَعاهد الكَلام والمَنْطق والجِدال، وسَيَّر طَرفه
بينها فلم يَجِدْ فيها ما يَشْفِي العَلِيل وقال: «لقد تأمَّلتُ الطُّرُق الكَلامِيّة، والمَناهِج الفَلسفيَّة؛ فما رأيتُها
تشفِي عليلاً، ولا تروِي غليلاً، ورأيتُ أقربَ الطُّرُق طريقةَ القرآنِ، اقرأْ في
الإثباتِ: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ
ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِيعًاۚ إِلَيۡهِ يَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ
وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّٰلِحُ يَرۡفَعُهُۥۚ﴾ [فاطر: 10]، ﴿ٱلرَّحۡمَٰنُ
عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ﴾ [طه: 5]، واقرأْ في
النفيِ: ﴿لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ
وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11]، ﴿يَعۡلَمُ
مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِۦ عِلۡمٗا﴾ [طه: 110].
قوله: «فهو - جلَّ ثَناؤُه -
واحدٌ ﴿لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ
وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ﴾» هو سبحانه واحدٌ،
لا يشاركه أحدٌ لا في ذاتِه، ولا في أسمَائه وصِفاته، ولا في خَلْقه وأفعَاله، ولا
في عِبادته، ليس له شريكٌ، فلماذا تُتْعِب نفسَك؟ أنت مَخلوق وهو خالقٌ، كيف يُحيط
المخلوقُ بالخالقِ جل وعلا ؟
فأنت مَجالك أن تُسَلِّم للهِ ولرسُوله، ولا تُجادِل ولا تُمَارِ، ولا
تُتْعِب نفسَك وتُتْعِب الآخرينَ، هذا هو الواجبُ والفَرْض، ولذلك الصَّحابة لم
يتكلَّفوا هذا التكلُّف، ولا توقَّفوا عندَ آيةٍ أو عندَ حديثٍ، بل يُقِرّونها
ويُسلِّمون لها ويَعْتقدون ما فيها، ولا حَصَلَ عندَهم مَشاكلُ أبدًا.
فالمَجال هو مَجالُ التسليمِ والانقيَاد، ولا نَخُوض في العَقائد بما خاضَ
به أهلُ الجَدَل وأَهل الكَلام وأهل المَنطق،
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد