بخِلاف الرَّسُول فإنه يَأتي بشريعةٍ مُستقلَّة ويُؤمَر بتَبْلِيغها، أمَّا
النبيُّ فيُؤمَر بتبليغِ رسالةِ مَن قبلَه، وقد يُوحَى إليه في قضيَّة خاصَّةٍ،
هذا هو الفَرْق، ومن كَفَرَ بنبيٍّ واحدٍ فهو كافرٌ بالجميعِ، كافرٌ حتى بالنبيِّ
الَّذي يَزعُم أنه يُؤمِن به، لأن الأنبياءَ إِخوةٌ، قال صلى الله عليه وسلم: «الأَْنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاَّتٍ» ([1]) سِلْسِلةٌ واحدةٌ،
طريقتُهم واحِدةٌ، فمن كذَّب بواحدٍ منهم مُكذِّبٌ بالجَميع، لأن الَّذي مع هَذا
مع الآخَر، كُلّهم رُسُل الله.
فالَّذي يَزعُم أنه يُؤمِن بمُوسى كاليَهود ويَكْفُرون بعِيسى وبمُحمَّد
عليهما الصَّلاة والسَّلام؛ فهؤلاءِ كافرونَ بجميعِ الأنبياءِ.
حتَّى النبيّ الذِي يَزعمون أَنهم يُؤمنون به، وهو مُوسى عليه السلام،
لأنَّ في الكِتاب الَّذي جَاء به مُوسى ذكرٌ لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم قالَ
تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلۡأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا
عِندَهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ
وَيَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ
عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي
كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ
ٱلنُّورَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ [الأعراف: 157]، ﴿ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ
يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمۡۖ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنۡهُمۡ
لَيَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ﴾ [البقرة: 146].
لكن حَمَلَهم الحَسَدُ على الكُفْر بمُحمَّد صلى الله عليه وسلم، لأنهم يُريدون ألاَّ تخرجَ النبوَّة عن بَني إسرَائيل، فهم يَحتكِرون فَضْلَ اللهِ: ﴿أَمۡ يَحۡسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۖ﴾ [النساء: 54] فالَّذي حَمَلَهم هو الحَسَدُ والبَغْيُ، وإلاَّ فهُمْ يَعْلَمُون أنه رَسُول اللهِ، لأنهم يَجِدُونه في التَّوْرَاة والإنجِيل.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (3259)، ومسلم رقم (2365).