×
إِتْحافُ القاري بالتَّعليقات على شرح السُّنَّةِ لِلْإِمَامِ اَلْبَرْبَهَارِي الجزء الأول

 والذي حَمَلَهم على هذا هو الغُلُوُّ والعِياذ باللهِ، ولهذا حَذَّرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من الغُلُوِّ قال: «إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ» ([1]) وهو الزيادةُ في الدينِ، والزيادةُ على المَشْرُوع في إنكارِ المُنكَر، هذا هو الغُلُوّ الذي دفعَ الخَوَارِج إلى ما حَصَلَ منهم؛ غُلوّا في إنكارِ المُنكَر حتى شَقُّوا عصَا الطاعَة، وغَلَوْا في العِبادة حتى كَفَّرُوا مُرْتَكِبِي الكَبِيرة من المُسْلِمين.

وقوله: «خَالف الآثارَ» يعنِي الأحاديثَ الوَارِدة عن الرسُول صلى الله عليه وسلم في لزومِ طاعَة وَلِيِّ أَمْرِ المُسْلِمين.

«ومِيتَتُه مِيتةٌ جَاهِلِيَّةٌ»: أي لأن فيه خَصْلةً من خِصال الجَاهليَّة، لأن العربَ في الجَاهليَّة كانوا مُتَفَرِّقين إلى قَبَائِلَ، ليس لهم إمامٌ يَجْمَعُهم، بل كُل قَبيلةٍ مُسْتَقِلَّة بنَفْسها، وتُغِير على القَبِيلة الأُخْرَى، ولم يَجْتَمِعوا إلا بَعْدَما بَعَثَ اللهُ مُحمَّدًا صلى الله عليه وسلم، دَعَاهم إلى الإسلامِ فأَسْلَمُوا، وصَارُوا تَحْتَ رَايَةٍ وَاحِدَةٍ.

ولهذا قالَ تَعالى: ﴿وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ [آل عمران: 103]، وقالَ تَعالى: ﴿وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ أَنتُمۡ قَلِيلٞ مُّسۡتَضۡعَفُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَ‍َٔاوَىٰكُمۡ وَأَيَّدَكُم بِنَصۡرِهِۦ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ [الأنفال: 26] هذا مِن ثَمَرة طَاعةِ وَلِيِّ أَمْرِ المُسْلِمين.


الشرح

([1])  أخرجه: النسائي رقم (3057)، وابن ماجه رقم (3029)، وأحمد رقم (3248).