فالَّذي لم
يَتَفَقَّهْ في دينِ اللهِ لا يَصْلُحُ أن يكونَ مُعَلِّمًا، ولا يَصْلُحُ أن يكون
داعيًا، ولا يصْلُحُ أن يكونَ آمِرًا بالمَعْروفِ وناهِيًا عنِ المُنكَرِ.
إذ لا بدَّ أن يكونَ
مُتَفَقِّهًا في الدِّينِ قبْلَ أن يُباشِرَ هذهِ الأعمالَ؛ حتّى يكونَ علَى
بصيرَةٍ.
وقالَ صلى الله عليه
وسلم: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» ([1])، فدلَّ هذا على
أنَّ مَن فَقّهَهُ الله في دينه فقد أراد به خيرًا، ودلّ بمفهومه على أنّ من لم
يفقّهه اللهُ في دِينِه، أنَّه لمْ يُرِدْ بِهِ خيَرْا، فهذا دَليلٌ على فَضْلِ
التَّفَقُّهِ في دِينِ اللهِ عز وجل، وعلى ذمِّ الإعْراضِ عن التّفقُّه في دين
الله.
والفِقْهُ في دِينِ
اللهِ يكونُ على قِسْميْنِ ([2]):
قسْمٌ واجِبٌ على
كلِّ مُسْلمٍ، ذكرًا كان أو أُنثَى، حُرًّا أو عبْدًا، غنيًّا أو فَقيرًا، مَلِكًا أو
صُعْلوكًا، كلُّ مُسْلمٍ يجِبُ عليهِ أن يَتَفَقَّهَ في هذا النَّوْعِ من الفقْهِ،
ولا يسَعُ أحَدًا أن يَجْهَلَهُ، وذلك ما يَستقيمُ به دِينُه منْ أُمورِ
العَقيدَةِ، وأحْكامِ الصَّلاةِ، وأحْكامِ الزَّكاةِ، وأحْكامِ الصِّيامِ،
وأحْكامِ الحَجِّ والعُمْرَةِ، وهيَ أرْكانُ الإسلامِ الخَمْسةُ، لا يسَعُ أحَدًا
أن يَجْهَلَ أحكامَ هذهِ الأرْكان؛ لأنَّها مُكَلَّفٌ بها كلُّ مُسلمٍ.
وهذا الفِقْهُ
واجِبٌ على الأعْيانِ لا يُعْذَرُ أحَدٌ بجَهْلِه.
والنَّوْعُ الثَّاني واجِبٌ على الكِفايَةِ، إذا قامَ به مَن يكْفِي سَقَطَ الإِثْمُ عنِ الباقِينَ، وبَقِيَ في حَقِّهِم سُنَّةً؛ لأنَّ المَقْصودَ من هذا النَّوْعِ أن يُوجَدَ لحاجَةِ المسلمينَ إليهِ، فإذا قامَ بهِ مَن يَكْفِي، حَصَلَ المَقْصودُ، وتأدَّى الواجِبُ، وبَقِيَ في حقِّ البَقيَّةِ سُنَّةً منِ أفْضَلِ العِباداتِ.
([1])أخرجه: البخاري رقم (71)، ومسلم رقم (1037).