عظيمةً للمُسلمينَ،
يَرجِعونَ إليها عندَ الحاجةِ وعندَ النوازِلِ، وهذا منْ توفيقِ اللهِ، ومنْ
حفْظِهِ لهذا الدِّين، كما قالَ تعَالى: ﴿إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ﴾ [الحجر: 9].
وهذا يشمَلُ: حِفْظَ
القُرآنِ منَ التَّغييرِ والتَّبديلِ، وحِفْظَ السُّنَّةِ النَّبويَّةِ من
التّغييرِ والتَّبديلِ، وحِفْظَ أقوالِ الأئمَّةِ المُجتهدينَ منَ العَبَثِ؛
لأنَّها تُعِينُ على فَهْمِ الكتابِ والسُّنّةِ، وهيَ حصيلةٌ جيِّدةٌ لفِقْهِ
الكتابِ والسُّنَّةِ.
فبَيْنَ يديْكَ
الآنَ كتُبٌ عظيمةٌ، أعظَمُها كتابُ اللهِ سبحانه وتعالى، الَّذي لا يأْتِيهِ
الباطِلُ من بيْنِ يديْهِ ولا مِنْ خَلْفِه تَنزِيلٌ من حَكيمٍ حمِيدٍ.
وبين يديكَ سُنَّةُ
الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم، الَّذي لا يَنطِقُ عنِ الهَوَى، إنْ هُوَ إلاَّ
وَحْيٌ يُوحَى، مَحْفوظَةٌ ومَحْميَّةٌ منَ العَبَثِ ومن الدَّخَلِ.
وبين يديكَ أقوالُ
العُلماءِ، وفي مُقَدِّمَتِهم صحابَةُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثمّ أقوالُ
التّابعينَ وأتْباعُ التَّابعينَ، ثمَّ أقوالُ الأئمَّةِ، خُصوصًا الأئمَّةَ
الأربعَةَ.
كلُّ هذا موجودٌ -
وللهِ الحَمْدُ - ومُتَوَفِّرٌ بينَ أيدِي المُسلمينَ، فمَا علينا إلاَّ الإقْبالُ
على هذهِ الكُتُبِ، والعِنايَةُ بها، ودِراسَتُها، والانتِفاعُ بهَا، وألاَّ
نُحْدِثَ شَيئًا وآراءً من عنِد أنفُسِنا؛ لأنّنا لمْ نَصِلْ إلى دَرَجاتِهم
ومكانَتِهم، فلا نَزْهَدُ في هذهِ الكُتُبِ الفِقْهيَّةِ ونَزْعُمُ أنَّنا نحْنُ
على مَقْدرَةٍ على أن نَستَغْنِيَ عنها، وأن نَرْجِعَ إلى الكتابِ والسُّنَّةِ
دونَ مُرورٍ بأقوالِ هؤلاءِ الأئمَّةِ والانتفاعِ بها، كما يقولُه بعْضُ
المُتعالمِينَ.
وهذا غَلَطٌ كبيرٌ، وهذا يُفْضِي إلى الضَّلالِ؛ لأنَّه ليسَ هُناكَ الآنَ - فيما نعْلَمُ وما يدُلُّ عليهِ الواقعُ - من يستطيعُ أن يَستَقِلَّ بنَفْسِه في الفَهْمِ والآراءِ والاجْتهاداتِ؛ لأنَّ العِلْمَ يَنقُصُ ويُقْبَضُ في آخِرِ الزَّمانِ،