×
الشرح المختصر على متن زاد المستقنع الجزء الأول

إذ الهِمَمُ قدْ قصُرَتْ، والأسبابُ المُثَبِّطَةُ عن نَيْلِ المُرادِ قد كَثُرَتْ.

****

  يعني أنَّني عَمِلْتُ هذا العَمَلَ، وهوَ القِيامُ بالاخْتصارِ، وحَذْفُ المَسائِلِ النَّادِرَةِ، والاقتصارُ على المَسائِلِ كثيرَةِ الوُقوعِ؟ السَّبَبُ في هذا أنَّ «الهِمَمَ» أي: هِمَمَ طَلَبَةِ العِلْمِ«قد قَصُرَتْ»، ويحتاجونَ إلى مَن يُقَرِّبُ لهُم هذا العلْمَ، وفي الزَّمانِ الأوَّلِ كانَ عندَ النَّاسِ رغبَةٌ في الفِقْهِ، ويُقْبِلُونَ عليهِ، ولا يَحْتاجونَ إلى اخْتصارٍ، بل كانوا يَحْفظُونَ المُطَوَّلاتِ.

لكن لمَّا تأَخَّرَ الزَّمانُ قلَّتِ العِنايَةُ بالعِلْمِ، وانشَغَلَ النَّاسُ عنْه، مِصْداقًا لقَوْلِه صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَأْتِي زَمَانٌ إلاَّ وَالَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ»  ([1])، وقولِه صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لاَ يَقْبِضُ هذا الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ صُدُورِ الرِّجَال، وإنَّمَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِمَوْتِ الْعُلَمَاءِ» ([2])، وقولِه - في آخِرِ الزَّمانِ -: «يَكْثُرُ القُرَّاءُ ويَقِلُّ الفُقَهَاءُ» ([3]).

«والأسبابُ المُثَبِّطَةُ عن نَيْلِ المُرادِ قد كَثُرَتْ» فلمَّا تأَخَّرَ الوَقْتُ وكثُرَتْ الغَفْلَةُ والكَسَلُ؛ احتَاجَ النَّاسُ إلى مَن يُقَرِّبُ لهم هذهِ الكُتُبَ المُطَوَّلَةَ، ويَخْتَصِرُها، وهذا من بابِ العِنايَةِ بِطَلَبِ العِلْمِ، وإنَّ العُلماءَ يَجِبُ عليهِم أن يَهْتَمُّوا بتَعْليمِ النَّاسِ بالطُّرُقِ والوَسائِلِ الَّتي تُناسِبُ كلَّ وقْتٍ، فلمَّا قَصُرَتِ الهِمَمُ عنِ المُطَوَّلاتِ، والمَوْسوعاتِ الَّتي كانَ


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (6657).

([2])أخرجه: البخاري رقم (100)، ومسلم رقم (2673).

([3])أخرجه: الطبراني في «الأوسط» رقم (3277).