ومعَ صِغَرِ
حَجْمِهِ حَوَى ما يُغْنِي عنِ التَّطْويلِ، ولا حَوْلَ ولا قَوَّةَ إلاَّ
باللّهِ، وهو حَسْبُنا ونعْمَ الوَكيلُ.
****
الطَلَبَةُ فيما مَضَى
يَسْتَوْعِبُونَها، ويَحْفظُونَها؛ لمَا عندَهم منَ الإقْبالِ والرَّغْبَةِ علَى
طَلَبِ العِلْمِ.
وطالِبُ العلْمِ لا
يَشْبَعُ منَ العِلْمِ، كمَا جاءَ: «مَنهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ: طَالِبُ
العِلْمِ، وطَالِبُ الدُّنْيَا» ([1]).
لكنْ كلَّما
تأَخَّرَ الوَقْتُ كثُرَتِ الغَفْلَةُ والعَوائِقُ والأَسْبابُ المُثَبِّطَةُ عن
نَيْلِ المُرادِ، وقدِ انشَغَلَ النَّاسُ بالتِّجارَةِ، وانشَغَلُوا بالحِرَفِ،
وانشَغَلُوا في المَلَذَّاتِ، ومالُوا إلى الرَّاحَةِ والدَّعَةِ، فصَرَفَتْهُم
هذهِ الشَّوَاغِلُ عن طَلَبِ العِلمِ، وهذا هو الوَاقِعُ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ
إلاَّ باللهِ.
«ومعَ صغَرِ حجْمِه
حَوَى ما يُغْني عنِ التَّطويلِ» يعْني؛ لا تَزْهَدْ في هذا المُخْتصَرِ؛ فإنَّه
معَ صغَرِ حجْمِه، وكونُه في جُزْءٍ صغيرٍ بدَلَ مُجلَّداتٍ كثيرَةٍ فإنَّه قد
احْتَوَى علَى ما تَحْتَوي عليهِ المُطوَّلاتُ منَ المَسائِلِ معَ اخْتصارِ
العِبارَةِ، وتَقْليلِ الكلامِ مَهْما أمْكَنَ.
إذًا؛ فهذا
المُخْتصرُ ذكَرَ لهُ المُؤَلِّفُ رحمه الله مُمَيِّزاتٍ خَمْسًا:
الأُولى: أنَّه منْ كتابِ «المُقْنِع»،
الَّذي هو عُمْدَةُ الحنابِلَةِ.
الثَّانية: أنَّه على قَوْلٍ واحِدٍ، ليسَ فيهِ أقْوالٌ أو خِلافٌ يُشَتِّتُ ذِهْنَ الطَّالِبِ.
([1])أخرجه: الحاكم رقم (312)، والطبراني في «الكبير» رقم (10388).