×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الرابع

ومما يؤكد هذا الذي قلنا خطبة النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب في الجمعة وفي المناسبات أيضًا إذا دعت حاجة إلى الخطبة، لكنَّ الغالب أنَّ خطبته كانت في الجمعة والأعياد، وكان صلى الله عليه وسلم يبالغ فيها برفع صوته وإنذار الناس؛ لأن الخطيب إذا انفعل، انفعل الناس تبعًا له وانتبهوا ليتلقَوا ما يقوله، وهذا بخلاف ما إذا كان فاترًا في الكلام، فإنَّ الناس يأخذهم النوم والكسل ولا يلتفتون إلى خطابه، ولذلك كان طابع خطبته صلى الله عليه وسلم الجزالة والقوة، وتقصيرها واختصارها مع الاعتناء في إلقائها حتى كانت تَحمَرُّ عيناه صلى الله عليه وسلم من شدّة الانفعال كأنه منذر جيش - يعني عدو - يقول: صبّحكم ومسّاكم، يعني: وصلكم العدو صباحًا ومساءًا. وكان يحذر فيها من البدع والمحدثات.

وهكذا كانت حالته صلى الله عليه وسلم في الخطبة؛ لأن المقصود بالخطبة التحذير والإنذار، وليس المقصود منها مجرد الكلام أو سَدِّ الفراغ كما هو حال بعض الخطباء اليوم، فإنهم لا يُعِدُّون للخطبة، ولا يحرصون على اختيار ألفاظها، ولا كيفية إلقائها، لا يعدون لذلك عدّة، وإنما قد يرتجلونها ارتجالاً، دونما تحضير مسبق.

والحاصل: أنَّ من جملة ما يُحذِّرِ مِنه في كل خطبة أن يقول عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرُّ الأُْمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلُّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ» ([1]). فهذا فيه دليل على تحريم البدع والمحدثات،


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (867)، والنسائي رقم (1578).