وهكذا جمع القرآن، فإنَّ المانع من جمعه على عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان الوحي لا يزال ينزل، فيُغيِّر الله ما يشاء ويُـحكِمُ
ما يريد، فلو جُمع في مصحف واحد لتعسَّر أو تعذَّر تغييره كل وقت، فلمّا استقر
القرآن بموته صلى الله عليه وسلم واستقرت الشريعة بموته صلى الله عليه وسلم أمِنَ
الناس من زيادة القرآن ونقصه.
وكذلك دفعه صلى الله عليه وسلم إلى أهبان بن صيفي
السيف وقوله: «قاتل به المشركين، فإذا رأيت المسلمين قد اقتتلوا فاكسره» فإن كسره
لسيفه، وإن كان محدثًا حيث لم يكن المسلمون يكسرون سيوفهم على عهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم، لكن هو يكسره وقت الفتنة بين المسلمين تجنبًا للفتنة.
ومن هذا الباب: قتال أبي بكر لمانعي الزكاة، فإنه وإن
كان بدعة لغوية من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقاتل أحدًا على منع
الزكاة، لكن لما قال: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ
لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَإِذَا فَعَلُوا
ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا،
وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ عز وجل » ([1])،
فلما كانت الزكاة من حق لا إله إلاّ الله، قاتلهم أبو بكر على منعها ووافقه
الصحابة على ذلك.
والضابط في هذا - والله أعلم - أن يقال: إن الناس لا
يحدثون شيئًا إلا لأنهم يرونه مصلحة، إذ لو اعتقدوه مفسدة لم يحدثوه، فإنه لا يدعو
إليه عقل ولا دين. فما رآه المسلمون مصلحة
****
([1])أخرجه: البخاري رقم (25)، ومسلم رقم (22).
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد