×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الرابع

ومن أراد أن يعلم كيف كانت أحوال المشركين في عبادة أوثانهم، ويعرف حقيقة الشرك الذي ذمه الله وأنواعه، حتى يتبين له تأويل القرآن، ويعرف ما كرهه الله ورسوله، فلينظر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأحوال العرب في زمانه وما ذكره الأزرقي في ((أخبار مكة)) وغيره من العلماء.

ولما كان للمشركين شجرة يعلقون عليها أسلحتهم ويسمونها ذاتَ أنواط، فقال بعض الناس: يَا رَسُولَ اللهِ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فقال: «اللهُ أَكْبَرُ، قُلْتُمْ كَمَا قَالَ قوم مُوسَى لِمُوسَى: ﴿ٱجۡعَل لَّنَآ إِلَٰهٗا كَمَا لَهُمۡ ءَالِهَةٞۚ [الأعراف: 138] إِنَّهَا السَّنَنُ، لتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَان قَبْلَكُمْ» ([1]).

فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم مجرد مشابهتهم الكفار في اتخاذ شجرة يعكفون عليها معلقين عليها سلاحهم، فكيف بما هو أطَمُّ من ذلك من مشابهتهم المشركين، أو هو الشرك بعينه؟

فمن قصد بقعة يرجو الخير بقصدها، ولم تَستحبَّ الشريعة ذلك، فهو من المنكرات، وبعضه أشد من بعض، سواء كانت البقعة شجرة، أو عين ماء، أو قناة جارية، أو جبلاً، أو مغارة، وسواء قصدها ليصلي عندها، أو ليدعو عندها، أو ليقرأ عندها، أو ليذكر الله سبحانه عندها، أو ليتنسَّك عندها، بحيث يخص تلك البقعة بنوع من العبادة التي لم يشرع تخصيص تلك البقعة به، لا عينًا ولا نوعًا.

****

  القاعدة المجمع عليها: أنَّ العبادة توقيفية من حيث الفعل ومن حيث المكان ومن حيث الزمان، فلا يُشرع عبادة لم يشرعها الله تعالى


الشرح

([1])أخرجه: الترمذي رقم (2180)، وأحمد رقم (21897)، والطبراني في الكبير رقم (3291).