واعلم أنَّ تلك البقعة، وإن كانت قد تنزل عندها
الملائكة والرحمة، ولها فضل وشرف، لكن دِين الله تعالى بين الغالي فيه والجافي
عنه.
فإن النصارى عظّموا الأنبياء حتى عبدوهم وعبدوا
تماثيلهم، واليهود استخفوا بهم حتى قتلوهم، والأمة الوسط، عرفوا مقاديرهم، فلم
يُغلوا فيهم غلو النصارى، ولم يَـجْفُوا عنهم جَفاء اليهود.
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم فيما صحّ عنه: «لاَ
تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا
عَبْد، فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ» ([1]).
فإذا قُدِّر أن الصلاة هناك توجب من الرحمة أكثر من
الصلاة في غير تلك البقعة، كانت المفسدة الناشئة من الصلاة هناك تربو على هذه
المصلحة، حتى تغمرها أو تزيد عليها، بحيث تصير الصلاة هنـاك مُذهبة لتلك الرحمة
ومثبتـة لما يوجب اللعنة والعذاب، ومن لم تكن له بصيرة يدرك بها الفساد الناشئ عن
الصلاة عندها، فيكفيه أن يقلد الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه لولا أنَّ الصلاة
عندها مما غلبت مفسدته على مصلحته لما نهى عنه، كما نهى عن الصلاة في الأوقات
الثلاثة، وعن صوم يوم العيدين.
فإنه لولا أنَّ الصلاة عندها مما غلبت مفسدته على
مصلحته لما نهى عنه.
بل كما حرّم الخمر، فإنه لولا أنَّ فسادها غالب على ما
فيها من المنفعة لما حرمها.
****
([1])أخرجه: البخاري رقم (3445).
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد