ومن تأمَّل كتب الآثار، وعرف حال السلف: تيقن قَطعًا
أنَّ القوم ما كانوا يستغيثون عند القبور، ولا يتحرَّوْن الدعاء عندها أصلاً، بل
كانوا ينهون عن ذلك مَنْ يفعله من جُهَّالهم. كما قد ذكرنا بعضه.
فلا يخلو إما أن يكون الدعاء عندها أفضل منه في غير
تلك البقعة أو لا يكون.
فإن كان أفضل: لم يجز أن يخفى علم هذا على الصحابة
والتابعين وتابعيهم، فتكون القرون الثلاثة الفاضلة جاهلة بهذا الفضل العظيم،
ويعلمه من بعدهم، ولم يجز أن يعلموا ما فيه من الفضل ويزهدوا فيه، مع حرصهم على كل
خير، لا سيما الدعاء، فإنَّ المضطر يتشبث بكل سبب، وإن كان فيه نوع كراهة، فكيف
يكونون مضطرين في كثير من الدعاء، وهم يعلمون فضل الدعاء عند القبور، ثم لا
يقصدونه؟ هذا محال طبعًا وشرعًا.
وإن لم يكن الدعاء عندها أفضل كان قصد الدعاء عندها
ضلالة ومعصية، كما لو تَحرَّى الدعاء وقصده عند سائر البقاع التي لا فضيلة للدعاء
عندها: من شطوط الأنهار، ومغارس الأشجار، وحوانيت الأسواق، وجوانب الطرقات، وما لا
يحصي عدده إلاّ الله.
****
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد