وما أكثر ما يبتلى بهذا المتأخـرون من أرباب الأحـوال
القلبية بسبب عدم فقههم في أحوال قلوبهم، وعدم معرفة شريعة الله في أعمال القلوب،
وربما غلب على أحدهم حال قلبه حتى لا يمكنه صرفه عما توجه إليه، فيبقى ما يخرج منه
مثل السهم الخارج من القوس، وهذه الغلبة إنما تقع غالبًا بسبب التقصير في الأعمال
المشروعة التي تحفظ حال القلب، فيؤاخذ على ذلك، وقد تقع بسبب اجتهاد يخطئ صاحبه
فتقع معفوًّا عنها.
ثم من غرور هؤلاء وأشباههم: اعتقادهم أن استجابة مثل
هذا الدعاء كرامة من الله تعالى لعبده، وليس في الحقيقة كرامة، وإنما يشبه الكرامة
من جهة كونها دعوة نافذة، وسلطانًا قاهرًا، وإنما الكرامة في الحقيقة: ما نفعت في
الآخرة، أو نفعت في الدنيا ولم تضر في الآخرة، وإنما هذا بمنزلة ما يُنْعِم به
الله على بعض الكفار والفساق من الرياسات والأموال في الدنيا، فإنها إنما تصير
نعمة حقيقية إذا لم تضر صاحبهـا في الآخـرة، ولهذا اختلف أصحابنا وغيرهم من
العلماء: هل ما يُنعَم به على الكافر نعمة أم ليس بنعمة؟ وإن كان الخلاف لفظيًّا.
قال تعالى: ﴿أَيَحۡسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِۦ مِن مَّالٖ وَبَنِينَ ٥٥ نُسَارِعُ لَهُمۡ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ بَل لَّا
يَشۡعُرُونَ﴾ [المؤمنون: 55- 56]، وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِمۡ أَبۡوَٰبَ
كُلِّ شَيۡءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ أَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَةٗ فَإِذَا هُم مُّبۡلِسُونَ﴾ [الأنعام: 44]، وفي
الحديث: «إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُنْعِم عَلَى الْعَبْد مَعَ إِقَامَتِهِ عَلَى
مَعْصِيَتِهِ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ يَسْتَدْرِجه بِه» ([1]).
****
([1])أخرجه: أحمد رقم (17311).
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد