×
شرح أصول الإيمان

فَهِي أَمَانَةٌ بين العَبْد وبين الله، وبين الفَرْد ووليِّ الأَمْر، وبين الفَرْد وبين النَّاس، قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا [النساء: 58].

وَالآيَة عامَّةٌ في كلِّ ما يَتَعَلَّق بِمَوْضُوع الأَمَانَات وَإِنْ كانت نَازِلَةً في الوَظَائِف وبأنَّه يَجِب على وليِّ الأَمْر أن يُسْنِد الوَظَائِف إلى من يَقُوم بها من النَّاس ولا يُحابي فِيهَا؛ لأنَّ الآيَة نَزَلَت في ردِّ مِفْتَاح الكَعْبَة إلى بَنِي شَيْبَة، فلمَّا فَتَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ، أَخَذ عليٌّ رضي الله عنه المِفْتَاح من بَنِي شَيْبَة؛ فَأَنْزَل الله هذه الآيَةَ ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا [النساء: 58]، فَأَخَذ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المِفْتَاح من عليٍّ وَدَفَعَه إلى بَنِي شَيْبَةَ، ولا يَزَال في يَدِهِم إلى يوم القِيَامَة كما أَخْبَر النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بذلك، فسببُ نُزُول الآيَة خَاصٌّ، وَلَكِنَّ اللَّفْظ عامٌ، وَالعِبْرَة بعُموم اللَّفْظ لا بِخُصُوص السَّبَب كما قَرَر ذلك عُلَمَاء التَّفْسِير وَالأُصُولِ.

فَتَشْمَل هذه الآيَةُ جَمِيعَ الأَمَانَات الحِسِّيَّة وَالمَعْنَوِيَّة، فكلُّ ما كُلِّف به العَبْدُ من الأَعْمَال فهو أَمَانَةٌ بَيْنَه وبين الله عز وجل؛ فَالوُضُوء أَمَانَةٌ، وَالاِغْتِسَال من الجَنَابَة أَمَانَةٌ، فَجَمِيع الأَعْمَال التي أَوْجَبَهَا اللهُ تعالى على عِبَادِه أَمَانَةٌ، وَجَمِيعُ ما حرَّمه اللهُ على عِبَادِه أَمَانَةٌ كَذَلِك، وكذا جَمِيع الأَعْمَال وَالأَمْوَالِ وَالدُّيُونِ التي في ذِمَّة الَّذِين اُؤْتُمِنُوا عليها إنَّما هي أَمَانَةٌ، فعلى العَبْد أن يَحْفَظ الأَمَانَة وَأَن يؤدِّيَها في جَمِيع أُمُورِهَا، فلا أَحَدَ يَخْلُ من الأَمَانَة، فَالأَوْلاَد أَمَانَةٌ في ذِمَّة وليِّ أَمْرِهِم وهو مَسْؤُولٌ عَنْهُم.


الشرح