×
شرح أصول الإيمان

وعن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَفَاتِيْحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لاَ يَعْلَمُهَا إلاَّ اللهُ: لاَ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إلاَّ اللهُ، وَلاَ يَعْلَمُ مَا تَغِيْضُ الأَْرْحَامُ إلاَّ اللهُ، وَلاَ يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ أَحَدٌ إلاَّ اللهُ، وَلاَ تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إلاَّ اللهُ، وَلاَ يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إلاَّ اللهُ تبارك وتعالى » ([1]).

****

فَالأَمَانَات كَثِيرَةٌ؛ ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا [النساء: 58].

ومَحلُّ الشَّاهِد في هذه الآيَةِ: قولُه عز وجل: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا [النساء: 58]، فَفِيهَا وَصْفُ الله بالسَّمع والبَصَر، وبأنه سَمِيعٌ بَصِيرٌ، وهذان اسْمَان لِلَّه سبحانه وتعالى يتضمَّنان إثْبَات السَّمْع وَالبَصَرِ له عز وجل، بِخِلاَف فِرَق الضَّلاَل الَّذِين يُؤَوِّلُون الصِّفَات وَالأَسْمَاءَ، الَّذِين يَزْعُمُون أنَّ هذا من باب المَجَاز، وعلى قَوْلهم فليس لِلَّه سمعٌ حَقِيقَةً وليس له سُبْحَانَه بَصرٌ حقيقةً، وإنَّما هذا وَنَحْوُه من المَجَاز !

ويُجاب على هَؤُلاَء: بأنَّ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم أَبْطَل هذا وبيَّن أنَّ السَّمْع حَقِيقِيٌّ، فَوَضَع أُصْبُعَه على أُذنه ليُبيِّن أنَّ هذا حَقِيقِيٌّ، وَوَضَع الإِصْبَعَ الأُخْرَى على عَيْنِه ليُبيِّن أنَّه بَصَر حَقِيقِيٌّ وليس مجازيًّا، وهذا فيه ردٌّ على الَّذِين يُؤوِّلون أَسْمَاء الله وَصِفَاتِه، وَيَدُلُّ على أنَّ الوَاجِب إثْبَاتُهَا كما جَاءَت، وكما دلَّت عَلَيْه من غير تَحْرِيفٍ ولاَ تَعْطِيلٍ، ومن غير تَكْيِيفٍ ولا تَمْثِيلٍ.

هذا الحَدِيثُ فيه إثْبَات العِلم لِلَّه جل وعلا، وَأَنَّ الله عَلِيمٌ، وفيه أنَّ مَفَاتِيح الغَيْب لا يَعْلَمُهَا إلاَّ هو؛ ولهذا قال جلَّ شَأْنُه: ﴿وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (4420).